قبل أن أدخل العام الجديد فتحت دفتر السنوات الماضية تمعنت فيه جيدا ، قرأته بحروفه المدونة بأحاسيس صادقة ، ابتسمت و حزنت و أنا استذكر ذكريات قاسية و مؤلمة لم أحاول ترميمها لأنها أصبحت ذكريات ماضية ، و لحظات سعيدة اغتنمتها لأشعر بأنني إنسان ، احترق القلب و كسرت النفس و سرقني العمر كي أستمر ، و شجن الحنين يرافقني، و نظرة المستقبل تلازمني ، تخبطات في المشاعر تذهب العقل تارة في محله و تارة أخرى تصيبه بالجنون.
و انا أقلب أوراق الدفتر وجدت في كل ورقة قصة صغيرة عنوانها أكون او لا أكون في وطن البقاء والاسترخاء و التعب واليأس والبكاء ، هي مشاعر متلاطمة كالموج ترتفع غاضبة وتمتد هادئة و ساكنة ، و وجدت أن جزءا من القلب قد ذبل و تعب ، فقسوة التفاصيل قتلته ، و بعض عناصر الحياة أسقمته، ولكن الإنسانية ولمعان عيون صادقة قد أحيت الجزء الكبير فيه فذكرته أن الحياة كد وشقاء و سعادة و رخاء ، تناقضات كبيرة هي الحياة بمشاعرها، بمواقفها ، بحكمها ، و بعدلها، وظلمها.
بكيت لأنسى ، ابتسمت لأفرح ، غصبت نفسي على الاستمرار لأنجح ، لأجعل من حياتي مسيرة متكاملة ، حاكتني الشمس في نهاري عن حالي وحال أوطاني ، وغازلني القمر في ليالي الشتاء و صادقني كي ينتفض القلب و يحكي حكاياه بعبرات حنونة راقية تحب نعيم الحياة و لا تحب شقاءها، و بابتسامة جاذبة ترسم الأمل على القلوب و تبعث الخير في النفوس .
و جدت في الدفتر زوايا خاصة للوطن و رأيت أنه جزء من ذكرياتي وحاضري ومستقبلي.، ولم أتوه عنه لحظة ، أراه في سماءي كلوحة صاخبة الجمال جميلة بتفاصيلها و متعبة في عناصرها ، فتارة يحكم علي بالإعدام و تارة يبشرني بالعفو ، هتفت له ليبقى عاليا ، صرخت له ليبقى حاضنا ، كتبت فيه الكلمات الحزينة و الجميلة و الحروف التي تنطق بالهوى ، و ما أدراكم ما هوى الوطن؟ و كيف لي أن أجعله يهوي في غياهب الشقاء و هو الذي يحتضن كياني و يوفر لي أماني .
استوقفتني صفحة تحاكي العرب ، تصف حال بلادهم ، سيوف ألسنتهم الإعلامية تقتلهم ، و قلوبهم الحاقدة تعنف حالهم ، و قلوبهم العاطفية أقل ما تقوم به تقتل وتشرد أطفالهم ، كالعبيد المأجورين يصنعون المعركة التي ليست لهم ، فاصبح هذا العالم يحمل شعارات تختلف و في التطبيق امر مختلف.
أغلقت الدفتر و وضعته جانبا تمنيت أن تجف أوراقه و يسيل الحبر عن كلماته كي لا أعاود قراءته لأرى ذكرياته ، لكن يبدو أنه باق بتفاصيله لا يريد أن يهتريء ففي كل مرة أجده جديدا يحدثني عن الماضي وكأنه حاضر.
في هذا اليوم يحتفل العالم بأكمله بالعام الجديد ، من كل الأديان والأطياف والأجناس و الألوان ، يحتلفون بوداع عام و استقبال عام ، كنت في كل عام مثلهم أرى أن الإحتفال بقدوم عام هو شيء رائع جميل نستقبل عاما جديدا بكل فرح و قوة لنبدأ بكتابة ذكريات جديدة و أحداث مثيرة ، أما هذا العام فقررت أن لا أحتفل و لا أهتم و لا أنظر أمامي مقدار متر واحد ، لأنه لن يتغير شيئا و وجدت أن روحي كانت تأخذني إلى الإحتفال بالعام الجديد حبا في الفرح و حبا بالحياة، وليس حبا بالسنوات و مافيها ، فابإمكاني أن أصنع الفرح في كل لحظة ، و مع ذلك سأسرح في خيالات الحياة و لن أعود لقراءة الأمس ، أريد ان أكون شجرة مثمرة لا تتساقط أوراقها وثمارها دائمة الوجود كي أحيا و أحيي الفقير و أحيي الوطن وأبنيه ، وأبدأ كتابة ذكرياتي و تفاصيل حياتي بكتاب على شكل رواية تعلمني و تعلم الآخرين.