التعريف السريع للإشاعة هو خبر لا أساس له أو غير متحقق من صحته. وتكمن خطورته في سرعة الانتشار بين عامة الناس، سواء بحسن أو سوء نية، وفي إثارته للشهية للمتابعة، ومن ثم التداول لخلق البلبلة وزرع الشكوك وزعزعة الثقة، وبالتالي بناء توجهات باطلة لدى الجمهور المستهدف، وما يتبعها من قناعات فكرية واندفاعات سلوكية غير سليمة، ما يؤثر سلبا على مصلحة العباد والبلاد.
وفي أيامنا هذه، تعاظمت قوة الإشاعة بفعل وسائل التواصل الاجتماعي وسرعتها في نقل المعلومة وقدرتها على تشويهها وتهويلها، والتي يفتقر معظم مستخدميها لثقافة التحقق من المصدر، الذي يجب أن تتوافر فيه المرجعية والاختصاصية والموثوقية، ليحظى بالمصداقية وشرعية التداول بين الناس.
وتاريخيا، لجأ العديد من الأفراد والدول لفبركة الأخبار وترويج الإشاعات واستخدامها سلاحا فتاكا في حروبهم النفسية وتحقيق المآرب ضد الخصوم، والأمثلة كثيرة. إلا أن علينا الإقرار أيضا أن الإشاعة قد تولد ببساطة بدافع الفراغ لدى مطلقها واللهو لمروجها، ممن لا يفقهون معنى المسؤولية، أو لجهلهم بنتائج ما يقومون به، أو قد تتولد نتيجة توقعات أو تمنيات غير محققة لدى البعض، وأحيانا بدافع المزاح بين الأصدقاء، وهناك أسباب أخرى.
وبالرغم من أهمية ما تقدم، فإن ما يعنينا في مطلع هذا العام هو الحديث عن كيفية مواجهة الإشاعة مجتمعيا وثقافيا وعلميا حفاظا على مصالح الوطن العليا، الذي كنا وما زلنا وسنبقى نستظل بحكمة قيادته الهاشمية المستنيرة.
وعند الحديث مجتمعيا، فإن علينا العمل على تعزيز ثقافة الصدق وتحري الحقيقة ممارسة تربوية لأبنائنا وبناتنا منذ الصغر، وتعليميا في مناهجنا المدرسية والجامعية، وصولا إلى مجتمع واع يحارب الإشاعة من تلقاء نفسه، مدفوعا بمكارم الأخلاق التي تربى عليها، امتثالا لقول نبينا الكريم، عليه الصلاة والسلام، «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت».
أما ثقافيا وعلميا، فإن مواجهة الإشاعة هو فن يدرس في علوم الاتصال والاجتماع والنفس والعلوم العسكرية أيضا، وهناك مختصون في تعليمه وتطبيقه، لاحتواء واتقاء شرور الإشاعة ووأدها قبل أن ترى النور.
ولنذكر هنا بعض المقترحات، وفق أفضل الممارسات العالمية، في هذا المضمار:
• اعتماد الاستباقية نهجا في تقديم المعلومة، تخطيطا وتطبيقا من قبل جهات الاختصاص، والتي عليها التنبؤ بما يعرف بمحفزات الإشاعة في المجتمع، والعمل مسبقا لتلافيها، وذلك من خلال تقديم المعلومة الاستباقية ونشرها في أوقات الذروة، وبالتالي ملء الفراغ الذي تعتاش عليه الإشاعة عادة. ويُقترح هنا اعتماد مبدأ المواجز أو المؤتمرات الصحفية اليومية، على غرار ما يقوم به الناطق الرسمي في البيت الأبيض، على سبيل المثال.
• تنظيم حملات توعوية تستهدف محاربة الإشاعات، وبيان آثارها الكارثية على المجتمع. وهنا يقترح كاتب هذه السطور أن تتبنى مؤسسات المجتمع المدني والوزارات المعنية، وأهمها الأوقاف والتعليم والثقافة والشباب، وهذا جزء من مسؤوليتها الاجتماعية، تنظيم فعاليات تثقيفية في مختلف أرجاء الوطن لمكافحة الإشاعة والتأكيد على أهمية تعزيز قيم الصدق وتحري الحقيقة، تجسيدا لقوله تعالي: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ».
• قيام الجهات المختصة بدراسة إطلاق ميثاق مكافحة الإشاعات، ليحمل قوة أخلاقية معنوية حضارية في المجتمع، واعتماده من قبل الأفراد والجماعات حرصا منها على مصلحة الوطن والمواطن.
• توحيد جميع الجهات المعنية بمكافحة الإشاعات في الدولة تحت مظلة ما قد يعرف بالمركز الوطني لرصد الإشاعات، ليكون هدف إنشائه إصدار تقرير اسبوعي عن أهم الإشاعات التي راجت خلال الاسبوع الماضي والتحذير منها وبيان الحقائق، مع موقع إلكتروني خاص بالمركز لنشر تقريره صباح كل يوم أحد للجمهور، ومن خلال مختلف مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام والصحافة. وبهذا يكون المركز المرجع الرسمي للمواطنين لإيضاح الأمور وتفنيد الإشاعات ودحض الأكاذيب.
وما هذا إلا فيض من غيض. أما إن أردنا، صادقين، أن ننجح حاضرا ومستقبلا في محاربة الإشاعة، فإن علينا أن ندرك أن المجتمعات العاملة المنتجة، التي يستثمر شعبها وقته وجهده في العطاء والبناء خدمة لنفسه وللأجيال القادمة، هي المجتمعات الأقل تأثرا بالإشاعة وترويجا وتصديقا لها. ومن هنا علينا أن نستثمر قوتنا، دولة وأفرادا وقطاعا خاصا، في محاربة البطالة، خصوصا بين صفوف الشباب، والتي تعد من أقوى البيئات خصوبة لنمو الإشاعة وقلب الحقائق، وما يجر ذلك من خراب للعقول ودمار للنفوس.
* المستشار ومدير الإعلام والاتصال في الديوان الملكي الهاشمي سابقا
الراي