على أعتاب مئوية الدولة الأردنية، التي مرت بمراحل مفصلية في تاريخها، منذ إعرابها عن ذاتها عام 1921م، نتطلع إلى جهود الباحثين والمؤرخين والسياسيين في توثيق ذاكرتها وتفاعلها مع محيطها العربي، ومواقفها، ودورها حيال الشعب والقيادة التي تنتمي إليها.
الدولة الأردنية، وعبر عقودٍ من عمرها، امتازت بشرعيتها المستقاة من شرعية قيادتها الهاشمية، بالإضافة إلى أنها دولةً جامعةً سواء فيما يتعلق بمحيطها العربي أو حيال شعبها الأردني.
ونحن نتحدث عن الدولة الأردنية، لا نعني هنا ذلك التعريف القاصر على الهياكل الإدارية والمقتصر على الأحاديث اليومية، بل التعريف بمعناه الوجداني الواسع الشامل للقيادة الهاشمية والأردنيين والعرب الذين أسهموا في بناء حضورها.
فالدولة الأردنية، تفاعلت مع أحداث المنطقة مؤثرةً حيناً ومتأثرة أحياناً أخرى، وصاغت هويتها السياسية والإجتماعية والإقتصادية على محور الإنسان لا سواه، وهذه حتمية الجغرافيا.
وهي اليوم على أعتاب المئة عامٍ من عمرها، نطرح سؤالاً عن إدراك الجيل الحاضر لدور دولته؟ ومنجزها؟ وهويتها السياسية؟ ولماذا أسهم العرب في المشاركة بها؟
مع اليقين أننا نشهد مرحلة مغايرةً لمراحل سابقة من عهودها، فالدولة في عهد الإمارة، حيث الإنتداب والنخبة، ليست هي ذاتها الدولة في مرحلة الخمسينات والستينات من القرن الماضي حيث غلبة الريف على العلاقات الإقتصادية والاجتماعية.
كما أنها لا تشابه مرحلة تلتها، عقب خسارة الضفة الغربية، والتوسع نحو الريف، والتحول من دولة "النخبة" إلى دولة " الشعب"، إذ باتت الدولة عميقة الحضور في تفاعلها مع الناس منذ سبعينات القرن الماضي وحتى اليوم.
ولكن، ونحن نرى كثيراً من الشباب الذي في ملامحه غضب من سوء الأوضاع، ونرى أنه أسير طروحات اليأس وعدم الإيمان بالمستقبل، ندرك تماماً أن هذا الشباب لم يقرأ تاريخ الأردن بشكلٍ جيدٍ ويستوعب مقدرة دولته على تجاوز ظروفٍ ومحنٍ أصعب من الظروف الحالية.
ومع الإيمان بوجود مؤرخين واعدين من الشباب، إلا أنهم ما زالوا يعانون من سطوة عقلية تاريخية تأسست في بعض جامعاتنا، وجعلت من تاريخ وطننا صحائف ولفائف غير مفهومة، ولم يستطع كثير من المؤرخين التعامل معها، ولم يتيحوا الفرصة للأجيال الشابة!.
نعم، لقد كان مؤرخاً مثل سليمان الموسى – رحمه الله - قادراً وضليعاً وخدم جيله، وجهده بحاجة للبناء عليه، ولكن، جيل اليوم بات يشكوا من مؤرخين لا ينتمون إلى لغته وعمره، نتيجة للتكلس الذي شاب هذا العلم، لسطوة بعض "العجائز" عليه، ولتهميش جهد الآخرين، حتى جهد الباحثين الذين صاغوا رواية الوطن، دون الاستسلام لوهم المنهج على حساب الرواية، والأخيرة هي غاية التاريخ.
ونحن نتطلع إلى الاحتفال بمئوية الدولة، علينا أن نعي الحاجة إلى تقديم تاريخ وطننا بمبعث من الأمل للشباب، ونفض الغبار عن مدارس تاريخية لم تقدم للوطن لا تحليلاً ولا تأريخاً ولا رؤيةً ولا رواية.. !