أحيانا تستعرض بعض المجالس الأحوال المالية لرجال مخلصين ممن قدموا للاردن في اصعب المراحل وخاضوا معارك الوطن الحقيقية وليست المعارك الوهمية التي يصنعها بعضهم على طريقة موظف الاباريق. وتجد ان هؤلاء لم يتركوا وراءهم قصورا بل ان بيوتهم عادية وليست مركبة من عدة فلل فوق بعضها، وبعضهم تنظر الى ابنائه فتجدهم عاديين من حيث الوظائف والامتيازات. فهم ليسوا وزراء من ظهور وزراء او رؤساء من عائلات رؤساء.
وأحيانا نستمع الى قصص فيها نزاهة حقيقية في مسار الدولة وقيادات ماتوا وكانت عليها ديون مع انهم احتلوا ارفع المناصب ومع ان امثالهم اليوم ممن يحصلون على امتيازات وغير امتيازات تجعلهم في مصاف الاثرياء.
نستعرض كل هذا لنبحث عن كلمة السر التي قد تكون في علاقة أحدنا مع دولته على انها علاقة شراكة في الوطن ومصالحه وقوته وليست علاقة موظف بوظيفة يعتقد انها مؤقتة ولهذا ينشغل باله ويمارس كل ما يعرف من مواهب جمع المال مما يحق له وما لايحق له.
فهل رأيتم انسانا في بيته او مكانٍ يرى فيه انه بيته او شريك في الحفاظ عليه من يسرق ملعقة من هنا او شيئا من السكر او اللحم او يلعب ويعبث ويكسر في البيت عبر قرارات او سياسات او وضع من لا يستحق في مواضع المسؤولية؛ كل هذه السلوكيات لايمارسها الا من لايرى نفسه شريكا، ولا تصدر الا ممن يعتبر نفسه في مكانٍ مكانته عنده بما يقدم له من امتيازات ودلال. أما من يمارس شراكة في ادارة دولته فانه يمارس الاخلاص الحقيقي ويتردد الف مرة ومرة قبل ان يتخذ قرارا يعلم ان نتائجه تؤدي إلى إضعاف وطنه.
نتذكر الذين خاضوا معارك لوطنهم كان ثمنها ارواحهم احيانا، ونتذكر الرجال الذين لم يورثوا القاب الدولة لابنائهم، ونتذكر الرجال الذين لم يخرجوا من الوظيفة العامة لنجدهم من اصحاب الثروات ومالكي كبار الشركات، نتذكر كل هذا ونتذكر من يرون في المواقع العليا صيدا يحصلون عليه بأي وسيلة ويحاولون استغلالها بكل الوسائل.
لكننا نتذكر كل نهج صنع هذه العقلية ونحارب أي مسار عزز العلاقة النفعية بين البعض ووطنهم. ونجد مسؤولية كبيرة على كل من صنعوا معادلة الامتيازات حتى غير العادلة مقابل الصمت او لشراء المواقف. ونرى في الذين مارسوا تحويلا لاولويات حتى ممثلي الناس ليتم لهم الحصول على كل امتياز وبسرعة وكأننا في مسابقة لجمع اكبر قدر من المكاسب باقل وقت ممكن.
الاصلاح السياسي او الاداري ليس فقط قوانين وانظمة واوراقا بل اصلاح في تركيبة الرجال ومعادلات العلاقة بين الانسان ووطنه. هذه المعادلات التي لحقت بها اضرار نتيجة بعض المسارات والسياسات. وعمّق الضرر ان من جاءوا يتحدثون عن اصلاح كان بعضهم يعمل بعقلية الموظف الذي تهمه مصالحه وليست عقلية رجل الدولة التي تجعله مقاتلا وليس صياد مكافآت.
ما نقوله ليس تعميما لان الخير كثير والكرام والمخلصين حاضرون؛ لكن كلما مر الزمان ازدادت مساحة الموظفين على عقلية رجال الدولة الشركاء في الحفاظ على وطنهم ومصالح شعبهم.