التنين الصيني والجواد العربي "شراكة طال انتظارها" أم "سحابة صيف"
بشار جابر
31-12-2018 11:54 AM
تعتبر العلاقة بين العرب والصينيين من أقدم العلاقات السلمية والتجارية، حيث لم يسبق للطرفين أن دخلا في صراعات إقليمية بل بالعكس ربطهما الطريق القديم "طريق الحرير" والمتجدد حالياً المسمى بـ" مبادرة الحزام والطريق" (BRI) والذي يعتبر المشروع التجاري الرئيسي بين الصين والعالم. أما بالنسبة للدول العربية فتعتبر شريكة في هذه المبادرة. وفي الوقت الحالي يدرك كل من الطرفين أهمية الطرف الآخر، فالدولة الصينية لديها موارد بشرية وزراعية وصناعية ضخمة والعرب لديهم أيضاً الموارد البشرية وموارد الطاقة والموقع الجغرافي المميز الذي يجعل الطرفان يتعاونان لتحقيق أهداف التنمية المستدامة الآن، كما أن التعاون والتجارة والسلام تشكل أهم العوامل التي تحكم علاقة العرب والصين ببعضهما.
الشكل (1): خارطة الطريق والحزام
المصدر: McKinsey & Company
ويهمني أن أوضح بعض النقاط التي تشير الى وجود روابط ثقافية مشتركة بين الطرفين، فمثلاً كلا الطرفين يعتبران العائلة نواة المجتمع ويحترم بها رأس العائلة الذي هو بالعادة "الأب"، ويضاف الى ذلك احترامهم للأكبر سناً واحترامهم للعادات والتقاليد القديمة وهو نفس الشيء تقريباً بدولنا العربية والمستمدة من الدين الإسلامي الحنيف، بالإضافة الى الكرم الصيني الذي يشبه الى حد ما الكرم العربي. ومن خلال دراستي بالصين كان الأصدقاء الصينيون دائما ما يقومون باستضافتنا في مطعم أو في منازلهم وهو مختلف تماماً عما نراه عنهم في أفلام هوليوود، بالإضافة الى نبذ الطرفين لعبة "السيد والعبد" التي تقودها دول الاستعمار الغربي والتي عانى منها الشعبان العربي والصيني. ويعلم كل من الطرفين أهمية التعاون الذي يقود إلى شراكة ناجحة، كما يحترم كل من الشعبين حكومته، فالشعب الصيني يؤمن بأن الحاكم أو المسؤول يعمل لخدمتهم فلا يقومون بالتدخل بأعمال الحكومة وبالمقابل تعمل الحكومة على حفظ الأمن والاستقرار وتوفير احتياجات الشعب. وهذه التعاليم مستمدة من تعاليم الحكيم الصيني "كونفوشيوس" الذي كرّس حياته لنشر هذه التعاليم بين الصينيين. أما بالنسبة للعرب المسلمين فإن "الأمير الذي على الناس راع ومسؤول عن رعيته".
في العصر الحديث بدأت العلاقات العربية-الصينية بأخذ الأشكال الحديثة من العلاقات الدولية فنجد أن العلاقات الدبلوماسية بدأت بمصر في مايو 1955 وانتهت بالسعودية في يوليو 1990. أما الأردن فقد بدأت العلاقة الدبلوماسية مع الصين في نيسان 1977. ويذكر للصين عدة مواقف داعمة لقضية العرب الأولى "القضية الفلسطينية" آخرها رفضها القاطع لنقل السفارة الأمريكية للقدس واعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني وتأكيدها بأنها مع إقامة دولة فلسطينية على حدود 67 وهو ما بينته مراراً وتكراراً. بل أنها حاولت حل الصراع العربي –الاسرائيلي بالطرق السلمية حيث استضافت وفوداً فلسطينية واسرائيلية لحل النزاع آخرها كان عام 2017، ويجدر الذكر بأن الصين أول دولة غير عربية اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للفلسطينيين بالإضافة إلى اعطائها في ذلك الوقت مكتب المنظمة ببكين صفة دبلوماسية. وفي المقابل تعترف الدول العربية وجامعة الدول العربية بـ"الصين الواحدة" وأن "تايوان" هي جزء من جمهورية الصين الشعبية. ويلاحظ التزام الدول العربية بموقفها فلا يوجد تمثيل دبلوماسي على مستوى سفارة في تايوان ويوجد فقط بعثات تجارية واقتصادية لها.
وبالانتقال إلى العلاقات التجارية فهي قديمة ومتميزة، ولكن الانفتاح التجاري للصين بالعام 1990 والمتمثل بسياسة "الباب المفتوح" شهد أيضاً تسارعاً في حجم التجارة العربية-الصينية فقد بلغت191 مليار دولار في العام 2017 بنمو مقداره 11.9% عن العام 2016 وهو دليل على أن الدول العربية من خلال وارداتها تدعم التنمية المستدامة في الصين. فالنمو في الناتج المحلي الإجمالي للصين بلغ 6.9% خلال العام 2017 مقارنة مع 2016، مع العلم بأن أفضل توقعات النمو من الاقتصاديين كانت لا تتجاوز 6.8% اذاً يبدو أن هذا النمو مدعوم ولو بشكل بسيط من نمو حجم التجارة العربية الصينية، ولبيان أهمية الصين اليوم كمحرك رئيسي في الاقتصاد العالمي فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي 12.24 تريليون دولار أمريكي مما جعل التنين الصيني الثاني عالمياً. ويوضح والجدول التالي حجم الناتج المحلي الإجمالي في بعض الدول العربية مقارنة الناتج المحلي الإجمالي مع العالم.
الجدول رقم (1): بيانات الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية
الدولة الناتج المحلي الإجمالي (مليار$) المركز عالمياً
الصين 12، 238 2
السعودية 684 19
الإمارات 383 30
مصر 235 44
الأردن 40 92
الدول العربية 2، 591
إجمالي الناتج العالمي* 80، 683
المصدر: البنك الدولي
وقد لمست القيادات العربية والقيادة الصينية العوامل المشتركة، وترجمت الفرص الى إنجازات على أرض الواقع بشراكة في عدد من المجالات التجارية والعسكرية والبنية التحتية وحتى الثقافية. ففي مطلع الألفية الحالية شجَّع تقرير لجامعة الدول العربية الدول الأعضاء على إنشاء شراكة استراتيجية مع الصين خاصة في مجالات متطورة كالإلكترونيات والسيارات والطاقة، ولكن النقلة النوعية في العلاقات التجارية وتحولها إلى شراكة اقتصادية بدأت بالعام 2013 بإعلان الرئيس الصيني "شي جين بينغ" عن مبادرة "الحزام والطريق" والتي تبنت مبدأ الشراكة بين الصين والدول الصديقة التي تقع على هذا الطريق لتحفيز التجارة بين الصين و"آسيا وأوروبا وافريقيا" وبما يخدم الجميع، وأيضا وضع خطة للتبادل الثقافي والحضاري بين 68 دولة مشارِكة. كما تعهدت الصين بتقديم مبلغ 40 مليار دولار أمريكي لصندوق دعم "طريق الحرير" لدعم البنى التحتية والمشاريع التنموية لنجاح هذه المبادرة. وبنهاية العام 2015 أُعلِن عن إنشاء بنك الاستثمار الآسيوي للاستثمار للبنية التحتية والذي تشارك فيه 7 من الدول العربية بصفة أعضاء مؤسسين، وإدراج هذه المبادرة في الربع الأخير من العام 2017 في الدستور الصيني مما يضمن لها الاستمرارية والديمومة، وبذلك تصبح هذه المبادرة مسؤولية الرؤساء الصينيين القادمين بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي.
كما تجدر الإشارة أن مبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقها الرئيس الصيني "شي جين بينغ" في العام 2013 ساهمت بشكل كبير في زيادة الروابط مع الدول العربية المعنية بهذه المبادرة. ومن ثمار هذه العلاقة نجد "المنتدى الصيني العربي" و"جمعية الصداقة الصينية العربية"، بالإضافة إلى الزيارات المتكررة على أعلى المستويات للمسؤولين العرب والصينيين. وكتوضيح على أهمية الدور العربي في مبادرة الحزام والطريق زار الرئيس الصيني جامعة الدول العربية في القاهرة وألقى كلمة بعنوان "التشارك في خلق مستقبل أفضل للعلاقات الصينية العربية" حيث أوضح بأن هنالك مستقبل للمنطقة وبيَّن ضرورة بذل جهود لحل مشاكل المنطقة من خلال الحوار وتسريع عجلة التنمية. كما أكد أن الصين تدعم حق الفلسطينيين في إقامة دولة على حدود 67. كما أعاد التأكيد على معادلة التعاون "1+2+3"، وهي معادلة الصين لزيادة التعاون العربي-الصيني في مجالات الطاقة كمحور رئيسي ومن ثم مجالَي البنية التحتية وتسهيل التجارة وأخيراً مجالات التكنولوجيا المتقدمة. وأوضح وقوف الصين مع السلام في سوريا وقام بتقديم مجموعة منح لمواجهة الظروف الطارئة لعدد من الدول العربية منها فلسطين وسوريا وليبيا بالإضافة الى الأردن لاستضافته للاجئين السوريين. وتعهد الرئيس الصيني بإقامة عدد من المشاريع التي تدعم هذه المبادرة وتدعم أيضاً التعاون الثقافي ومنها إنشاء مركز دراسات مشترك وتقديم 10 آلاف منحة دراسية ومثلها تدريبية بالإضافة الى دعوة شخصيات دينية وفنية لزيارة الصين وتفعيل التبادل الثقافي. ويذكر هنا أن معاهد كونفوشيوس الصينية منتشرة في الوطن العربي إذ يوجد 12 معهداً.
أما الجانب العربي فلم يتوانَ عن الانخراط في هذه المبادرة، فهنالك زيارات على أعلى مستوى من جامعة الدول العربية ورؤساء الدول العربية. فعلى سبيل المثال تعتبر التجربة الأردنية-الصينية رائدة في مجال التعاون. فقد زار الملك الأردني "عبدالله الثاني" الصين 7 مرات منذ توليه الحكم. ومن أوجه التعاون التي أثمرتها هذه الزيارات قيام شركات صينية بتمويل مشروع إنتاج الكهرباء من الصخر الزيتي وأنشأت شركات اتصالات صينية مركزاً لأبحاث الاتصالات يخدم المنطقة بالإضافة إلى وجود مشروع الجامعة الصينية في الأردن وأخيراً إقامة منطقة صناعية صينية بالعقبة. أما السعودية التي تقوم بإصلاحات جذرية في البنية الاقتصادية حالياً فقد رأت تفعيل الشراكة مع التنين الصيني في أكثر من اتجاه حيث زار الملك سلمان الصين حينما كان ولياً للعهد وذلك للتعاون على انهاء "الأزمة السورية" مما يدل على ثقل الصين كشريك في حل الأزمات في المنطقة، بالإضافة إلى زيارته للصين بنهاية العام 2017 حيث وقع على اتفاقيات بقيمة 65 مليار دولار أمريكي معززاً العلاقة مع ثاني أكبر اقتصاد بالعالم. ويُعول المراقبون على أن هذه الشراكة تنطوي على إنجازات مستقبلية هائلة، بالإضافة الى تأكيد الملك سلمان على أن هذه الشراكة تعتبر تكاملاً بين "رؤية 2030" السعودية و"مبادرة الحزام والطريق". وأكد على دور الصين في حل أزمات الشرق الأوسط واعتبارها "وسيطاً نزيهاً". أما الكويت فقد زار أميرها الشيخ صباح الصين مرتين قبل توليه الحكم ومرتين بعد ذلك آخرها العام 2017. وأكد على "توطيد الشراكة الاستراتيجية" و"المنفعة المتبادلة" بين البلدين. وكُللت هذه الزيارة بتوقيع عدد من المذكرات والاتفاقيات الثنائية في مجالات شتى كالطاقة والتكنولوجيا، ويعتبر أهمها توقيع اتفاقية المدن الذكية ومنها " مشروع مدينة الحرير والجزر". أما مصر فقد نالت استثمارات بقيمة 20 مليار دولار أمريكي من خلال مشاريع الطاقة ومشاريع الصناعية وتطويرية وذلك من خلال توقيع عدد من الاتفاقيات بين الرئيس السيسي ونظيره الصيني مؤخراً خلال المؤتمر الصيني الإفريقي الذي عقد ببكين خلال العام الحالي، ويذكر بأنه زار الصين 5 مرات خلال السنوات الخمس الأخيرة.
الشكل (2): جلالة الملك الأردني عبد الله الثاني وفخامة الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2015
المصدر: صفحة الديوان الملكي على التويتر
وفي تموز من العام 2017 عُقدت الدورة الثامنة لمنتدى التعاون الصيني العربي، وكان هنالك حزمة من القرارات لإنجاح الشراكة بين الدول العربية والصين، منها "إعلان بكين" المنشور على موقع المنتدى والذي ينقسم الى عدة محاور (سياسي، وتجاري، وثقافي). ومَن يقرأ الإعلان يلاحظ أن الصين والوطن العربي وثقا مواقفهما اتجاه القضايا السياسية المشتركة. فالدول العربية أكدت بأنها تدعم الصين في قضاياها السياسية بالحوار والحل السلمي ومنها عدم إقامة علاقات مع "تايوان". بالمقابل أكدت الصين على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على حدود 67 والقدس الشرقية عاصمة لها، بالإضافة الى الإشادة بجهود جلالة الملك عبدالله الثاني والتأكيد على الرعاية والوصاية الهاشمية للأماكن المقدسة في القدس الشرقية والإشادة بجهود كل من الملك محمد السادس "رئيس لجنة القدس" والإشادة بجهود الملك سلمان الذي سمى القمة العربية بالسعودية "قمة القدس" لدعم النضال العربي ضد الكيان الصهيوني بالإضافة إلى المبلغ المالي الضخم (200 مليون دولار) المتبرع به للأونروا لمواجهة التزاماتها. كما أشيد بكل من الرئيس المصري وأمير الكويت لدعمهما القضية الفلسطينية بشكل متواصل، بجهود الرئيس الصيني بدعم السلام بنفس الموضوع. كما يلاحظ أن الصين أبدت تأكيدها جنباً الى جنب مع الدول العربية على وحدة العراق وسوريا والصومال وجزر القمر والتأكيد على أن العلاقة مع إيران يجب أن تكون علاقة "حسن الجوار".
فيما يتعلق بالجانب التجاري فقد بين الطرفان التزامهما بمبادرة الحزام والطريق، ويلاحظ بأن الصين التي انضمت حديثا للموقعين على "اتفاقية المناخ" أولت اهتماماً مع الجانب العربي للمحافظة على البيئة حيث وقعت مذكرة في هذا الموضوع. أما الجانب الثقافي فهنالك "إطلاق المكتبة الرقمية الصينية العربية في عام 2018 " بالإضافة الى التعاون بكافة المجالات الثقافية. وما يثير الاهتمام أن الصين تولي اهتماماً واضحاً لقضايا السلام في المنطقة وهذا بالطبع بسبب الطريق التجاري أولاً، ولكن سيصبح هذا الاهتمام جزءاً من المسؤولية الثقيلة على عاتق الصين إذا قادت العالم في المستقبل القريب. وهذه التعهدات التي تصدرها الآن ستكون "قلب ورئة" العلاقة مع الشعوب العربية عندما تكون ملزمة باتخاذ قرارات قوية باتجاه قضايا الامن والسلام في المنطقة، علماً بأن الصين كانت حازمة برفضها نقل السفارة الامريكية للقدس وكانت شجاعة بإعلانها أنها لن تغير موقفها الثابت تجاه هذه القضية. كما تبنى كل من الجانبين "البرنامج التنفيذي لمنتدى التعاون الصيني العربي في الأعوام 2018-2020" و"الإعلان التنفيذي الصيني العربي الخاص ببناء الحزام والطريق".
الشكل (3): الرئيس شي جين بينغ
المصدر: منتدى التعاون الصيني العربي
يطول الحديث عن العلاقات العربية الصينية وعن الإنجازات التي تم تحقيقها على أرض الواقع، والأهم هو النقاش الدائر عن إمكانية تطور العلاقة العربية الصينية في ظل تدهور العلاقات العربية الأمريكية ومهاجمة الرئيس الأمريكي المتكررة للرموز العربية والبلدان العربية وسياساتها، خاصة أن بعض "الترمبيات" الأخيرة تجاوزت كل الدبلوماسيات والأعراف الدولية. بالنهاية يبقى السؤال الرئيسي هل سنبقى بموقف المتفرج وننتظر شريك قد لا يشاركنا الآمنا أم سنقوم برد المبادرة بمبادرة الشراكة لقيادة العالم مع شريك سيقود العالم بالمستقبل القريب؟
باحث اقتصادي
ماجستير سياسة عامة/ جامعة بكين