هذه هي المرة الأولى التي أكون فيها خارج البلاد مع رأس السنة الجديدة منذ عقود، وكان مستحيلا في السابق أن أفعل ذلك بسبب المسؤوليات الاجتماعية لفترة الأعياد وأيضا الإحساس الغامض بلحظة فاصلة ومرحلة جديدة تقضي مسؤوليتي السياسية أن أكون حاضرا عليها.
الآن أفعل ذلك من دون أي إحساس لا بالذنب ولا بالخسارة، فأكثر الأوقات إثارة ووعدا بالتغيير مرت ولم يتغير شيء، وأعظم المحاولات أنجزت ولم تترك أثرا في حياة البلد والناس، ولذلك لم يعد لنا إلا أن نأخذ الأمور هوينا، فلن نخرق الأرض ولن نبلغ الجبال طولا، ولن نكون سنغافورة الشرق الأوسط ولا حتى كوالالمبور المنطقة -باعتباري متواجدا في هذه اللحظة في العاصمة الماليزية المذهلة في ازدهارها وسياحتها ونظافتها وتنظيمها وأمانها- وإيقاع الأداء في بلدنا لن ينقلب رأسا على عقب، وسنجد أن ما نكتبه اليوم كنا كتبناه من عقد وعقدين مضيا، وسنلاحظ أن كل طفرة أو تقدم حدث لم يكن بفعل أي من البرامج والقرارات التي اتخذناها أو التغيير الذي قررناه، بل بفعل عوامل طارئة وأحداث إقليمية خارج الحسابات. ولا بد أن نرضى من الغنيمة بالإياب؛ أي أن نتجاوز الأوقات الأصعب من دون خسائر أو كسور لا تجبر.
كنت ألاحظ في الآونة الأخيرة أن الناس عافوا المقارنات مع دول الجوار والتسبيح بنعمة الأمن والأمان التي باتت ذريعة لتمرير السياسات الجائرة والفساد والامتيازات لفئات على حساب الأغلبية الكادحة. وبدا ذلك واضحا في شعارات الدوار الرابع في السابق واليوم وكذلك في التعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي، فكل تلك المقولات باتت موضع سخرية وتندر. وللحقيقة أنا لا أحب منطق تعليق الفشل على مشاجب أخرى وتبرئة الذات، ولو فكر كل واحد في السلوك والثقافة العامة التي تحكمه فهو جزء من المشكلة ولو كان مكان الآخرين ومنهم المسؤولون لما تصرف بطريقة مغايرة.
ربما نكون فعلا أنجزنا المطلوب تشريعيا، بما في ذلك قانون الانتخاب، لكننا قد لا نستطيع أخذ الناس من يدهم بالقوة الى الأحزاب. سنعود الى هذا الموضوع في مناسبة أخرى لأن الأمر بحاجة لمناقشة معمقة تجيب عن سؤالين؛ الأول حول كفاءة وفعالية التشريعات، والثاني حول الخطط والحوافز، فقد يكون الأمر سيان وليس بالإمكان أحسن مما كان وقد يكون هناك بالفعل ما كان وما يزال يمكن ويتوجب عمله.
لعل تقرير حالة البلاد الصادر عن المجلس الاقتصادي الاجتماعي هو أكبر وأهم وثيقة تقييم للأداء ظهرت خلال السنوات الأخيرة وتجيب عما سبق. وأنا حتى الآن قرأت المقدمة وسيحتاج التقرير وقتا للقراءة وسأعود لمحاور مختلفة فيه، وهو على الأرجح سيبقى مرجعا للحوار حول السياسات والقصور في التطبيقات مع أن الكثير من الاستنتاجات ستبقى خلافية.
واقع الحال اليوم أننا نقف بين وجهة نظر ناقدة ورافضة وغاضبة ومتمردة تمثل أغلبية الجمهور على ما أرى، ووجهة نظر معتدلة مقتنعة ومبررة لواقع الحال، وفي كلتا الحالتين لا يقف الجميع في هذا المعسكر أو ذاك على الأرضية نفسها وينطلق من الخلفية نفسها. وللحديث صلة، وكل عام وأنتم بخير.
الغد