الوزير روني كسرلز الجنوب افريقي، انهى زيارة عمل لفلسطين وتجول في محافظاتها الشمالية وقطع الحواجز ودقق في المعازل الإسرائيلية التي قطعت أوصال الضفة الفلسطينية فذكرته بالأحياء الأفريقية المعزولة التي أوجدها النظام العنصري في جنوب افريقيا الزائلة، وزار المحفظات الجنوبية فوجد غزة سجناً كبيراً محشوراً فيه بشر لا يتمتعون بمتطلبات الكرامة الإنسانية.روني أكثر الشخصيات العالمية مصداقية في رفض وإدانة الصهيونية ومشروعها الإستعماري التوسعي وشجبه لسلوكها غير الإنساني مع الشعب العربي الفلسطيني لسببين:
أولهما لأنه يهودي، ولذلك لايستطيع أحد المزايدة عليه، أو إتهامه بالعداء لإسرائيل أو للسامية.
وثانيهما لأنه جنوب إفريقي، أي أنه عاش تجربة التمييز العنصري وشاهد فظائع القهر والتمييز والإضطهاد الذي وقع على شعبه الأسود من المهاجرين البيض المستوطنين، ولذلك حكم على السلوك الإسرائيلي من خلال معرفته وخبرته وتجربته.
الوزير روني كسرلز الذي حل ضيفاً على اللواء توفيق الطيراوي مدير المخابرات الفلسطينية طوال إقامته في فلسطين بسبب وظيفته المماثلة أجاب على سؤال لطلبة جامعة بيرزيت بقوله: " أنا لست صهيونياً، لأنني إنسان".
هذا هو جوابه البسيط في رده على دهشة طلاب بيرزيت وإستفسارهم عن كونه يهودياً وليس صهيونياً، فكان جوابه المباشر لأنه إنسان ومن يحترم إنسانيته عليه أن يحترم إنسانية الآخرين، وهذا يدلل على مدى العمق في فهم المشروع الإستعماري الإسرائيلي التوسعي، وأهمية هزيمته الأخلاقية على الرغم من قدرات إسرائيل وتفوقها وتميزها كدولة إقليمية عظمى كما يصفها نايف حواتمة.
صحيح أن إسرائيل قامت على أساس التحالف المادي بين الصهيونية والإستعمار القديم البريطاني، من وعد بلفور الى تهيئة الأرض للإستيطان والمستوطنين الى تسليم فلسطين للمنظمات الصهيونية في 15/ أيار/ 1948، وصحيح أن إسرائيل تحافظ على تفوقها اليوم بفعل دعم وإسناد الجبروت الأميركي، ولكن من الناحية الأخلاقية والإنسانية قامت إسرائيل على فكرة حماية اليهود المضطهدين من النازية والعداء للسامية، وها هي تقوم بنفس الأفعال والجرائم التي ارتكبت بحق اليهود الأوربيين، في إضطهادها للعرب الفلسطينيين، هذه الصورة التي اوردها الوزير الجنوب أفريقي اليهودي روني كسرلز وسجلها في إنطباعاته ومشاهداته لما رآه في فلسطين سواء في الضفة أو غزة.
السلطات الإسرائيلية التي رحبت بالوزير اليهودي الزائر كانت تتوقع منه غير ما قال ولذلك سمحت له بالزيارة والتجوال وأن يكون ضيف الفلسطينيين الفقراء لا أن يحل ضيفاً على إسرائيل القوية الثرية، فذهلت من تصريحاته وإستخلاصاته والنتائج التي خرج بها، فقد عمقت الصداقة العربية الأفريقية وكسبت خصماً جديداً لسياساتها وعدواً لممارساتها، وأضافت يهودياً على قائمة معارضيها.
الرئيس الأمريكي جيمي كارتر الذي راقب الإنتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية الأولى عام 1996 والثانية عام 2005 – 2006، سجل رؤيته في كتاب أثار ضجة وحفيظة إسرائيل وأدواتها في العالم وعبروا عن كرههم له، فماذا سيقولون عن اليهودي روني كسرلز؟
إسرائيل رغم تفوقها العسكري والسياسي والتكنولوجي والأستخباري والإقتصادي لا تملك عدالة قضيتها وبرنامجها ومشروعها، والفلسطينيون رغم ضعفهم وسوء إدارتهم وعناوين الإرهاب في بعض سلوكهم يملكون عدالة قضيتهم وشرعية نضالهم، ولذلك يمكنهم توجيه ضربة وهزيمة أخلاقية بالمشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي اذا واصلوا التمسك بنظافة سلاحهم وعصرية نضالهم وطابعه الأنساني الحضاري المدني في وجه جيش الإحتلال
يمكنهم ذلك ويجب أن يثقوا بذلك !!!