أين اختفى مسؤولون سابقون؟!
ماهر ابو طير
31-12-2018 12:22 AM
في المعلومات ان هناك عتبا كبيرا على بعضٍ من كبار المسؤولين السابقين في الأردن، وهذا العتب بلغ اعلى مستوياته خلال الفترة الماضية، لاعتبارات كثيرة.
هذا العتب يأتي لعدة أسباب، أولها ان هؤلاء يتوارون عن الأنظار في الازمات التي تعصف بالبلد، أحيانا، فلا يخرجون، ولا يتكلمون، الا ما ندر، ويفضلون عدم الظهور إعلاميا، او التصريح، خشية من ردود الفعل، وبعضهم لا يدافع حتى عن قرارات تم اتخاذها في عهده، ويترك القصف المدفعي، لينهمر على كل المؤسسات، مفضلا ان ينأى بنفسه عن أي دور باعتباره خارج السلطة.
ثاني هذه الأسباب، ان بعض كبار المسؤولين، كانوا يشتكون سابقا، من عدم قدرتهم على التواصل مع الاعلام او المواطنين، بسبب عدم تحديث المعلومات لديهم، وعدم اطلاعهم على ما يجري، او آخر التطورات، معتبرين ان قطع المعلومات عنهم، يؤدي الى ضعفهم، وبالتالي غياب دورهم.
عولجت هذه القضية، عبر تقديم ملخصات سياسية واقتصادية وامنية، كل فترة، لهؤلاء، وهذا سر يتم كشفه لأول مرة، وهذه المعالجة جاءت بتوجيه من جهات عليا، من اجل وضعهم في صورة أي تطورات، لتمكينهم وهم خارج المسؤولية، من مواصلة دورهم، اتكاء على آخر المعلومات، الا ان ما حدث، ان اغلبهم واصل الاختباء، تاركين الدولة لمواجهة تحدياتها، باعتبارهم خارج السلطة.
لابد ان يشار هنا الى ان السبب الثالث، حساس للغاية، ويرتبط بوجود معلومات حول تسريبات يقوم بها مسؤولون سابقون، للإعلام ولبعض الجهات، من اجل اشعال حروب وحملات ضد أسماء أخرى، وبهدف اشغال الرأي العام بأسماء محددة، ومن اجل ان يتناسى المواطنون أسماء الذين يسربون المعلومات، وينشغلوا بغيرهم.
تم رصد هذه الظاهرة بوسائل مختلفة، وتم تحديد هذه الأسماء، ونوعية التسريبات، والمعلومات، بما ترك اثرا سلبيا، على سمعة بعضهم، خصوصا، حين يخرجون من موقعهم، ويمارسون حيادا غريبا، او دورا في الظلام، يظنون ان لا احد يعرف عنه، او يطل على تفاصيله.
العتب على المسؤولين السابقين، ازداد في الفترة الأخيرة، خصوصا، وان التقييمات باتت تتحدث عن ان كثيرا من المسؤولين السابقين، اما يتوارى في بيته طلبا للسلامة، واما يتحول الى معارض، وفي حالات كثيرة، يتوارى ويلعب في الحديقة الخلفية لبيته منفردا.
تكون الحصيلة ان استثمار الدولة في كل هذه الأسماء، كان استثمارا خاسرا، باستثناء بعض الشخصيات، التي تفضل ان تخرج وتواجه وتحتمل ردات فعل الجمهور، على قسوتها، او مبالغتها، او حتى توزيعها للاتهامات يمنيا ويسارا على من يقرر ان يخرج ويتحدث ويواجه.
غير ان السؤال هنا يرتبط بقضية مهمة، أي كينونة رجال الدولة، وكيف يمكن وصف بعضهم برجال دولة، وهم يمارسون هذه الأدوار، ويعتبرون ان ما بعد مراحلهم، جدير بالاحتراق، برغم ان الكلفة العامة، هي على البلد برمته؟!.
من جهة ثانية علينا ان نعترف أن خروج المسؤولين السابقين، للمساهمة بأي رأي او التأثير العام لصالح الاستقرار، قد يكون مكلفا بشدة عليهم ، شخصيا، في ظل اتهام المواطنين لكل مسؤول سابق، بشتى التهم، وانخفاض المصداقية او الثقة، او اتهام كل مسؤول سابق، بكونه شريكا او مسببا للازمات في الأردن.
في الظلال أيضا، غضب مستتر في صدور بعض المسؤولين السابقين كون الدولة لم تحمهم وهم في مواقع القرار، او حتى بعد خروجهم، بما يولد لدى بعضهم رد فعل سلبيا، يمتزج بالثأرية المبطنة، تاركا السفينة لتغرق، ما داموا اغرقوا سفينته.
وهذا يعني في كل الأحوال، ان وسائل انتاج وتصنيع الحرس الجديد يجب ان تتغير، من حيث المعايير، خصوصا، حين نكتشف في الازمات، ان كثيرين لا يبدون مستعدين للتدخل الإيجابي، او على الأقل إطفاء الحرائق التي يتم اشعالها، وكأننا امام ملعب بلا فريق لاعبين، ولا احتياط.
في اشد موجات الربيع العربي في الأردن، توارت مئات الأسماء، بعضها اختفى، وبعضها اغلق هاتفه، والبعض دب به الخوف اكثر، فانقلب معارضا، حتى يضمن سلامته في أي مرحلة مقبلة، وكان لابد ما بعد تلك المرحلة ان يخرج مركز القرار بدروس مهمة، عن كل هذه الطواقم التي فرت، وتغيرت لهجتها، في اختبار قاسَ الهاربون دلالاته على ما شهدناه في دول عربية.
لقد آن الأوان، ان تعيد الدولة انتاج رجالاتها، وبطانتها، بمعايير مختلفة، من اجل الشفافية، والنظافة وحسن السمعة والقبول بين الأردنيين، ومن اجل معايير الكفاءة ومحاربة الفساد والقدرة والاستحقاق، بدلا من المراهنة على نوعيات، لم تقف الى جانب البلد، ولا وجدناها لا في السلم ولا في الحرب، ولا في الليل، ولا النهار.
الدستور