الاحتجاجات المتواصلة في الدوار الرابع بعمان وغيرها من مدن المملكة ضد السياسات الحكومية وتحديدا الاقتصادية منها وبكل اسف نحو زوايا معتمة او حواف خطرة بسبب زيادة منسوب الاتهام والاتهامية في الخطاب المتبادل بين « معسكر الموالاة « ومعسكر المعارضة ، ودخل هذا الخطاب في الفترة الاخيرة مرحلة « خطاب الكراهية « التحريضي الذي كان سببا مباشرا في مجتمعات عديدة بانتاج الفتن والصراع الطائفي او الطبقي ، ولمست خلال متابعتي لنوعية السجال الاتهامي المتبادل وتحديدا على وسائل التواصل الاجتماعي درجة عالية من السطحية والسذاجة في الدفاع عن الوطن في معسكر الموالاة وفي المقابل تزمتا وعصبية وتعصبا وعدمية في معسكر المعارضة وعمليا وصلنا الى ما يسمى بالمعادلة الصفرية والقائمة على قاعدة ( اما ان تكون معي والا فانت ضدي )... والسؤال ماذا يعنى هذا الامر ؟؟
في الجواب يمكن القول وبكل اسف اننا وصلنا الى مرحلة « الغليان الاجتماعي « ، ودخلنا ازمة وطنية حقيقية بعد ان بات وضعك الطبقي او الاجتماعي هو الذي يعطى « اخوك « في الوطن الحق باطلاق الحكم عليك ، ويعطيه الحق بتصنيفك فان كنت « مرتاحا « وهو التعبير الدارج الذي بات يطلق على من هم غير محتاجين ماليا وماديا ستكون حتما ووفقا المعادلة الصفرية التى اشرت اليها في التضاد مع الطرف المقابل الذي يطلق على نفسه « المساكين والمسخمين « اى اصحاب الحاجة وتكون في ذات الوقت في نظر هؤلاء منتفعا من الدولة حتى وان لم تعمل بها يوما واحدا ولم ترتبط معها باي نوع من المصالح الخاصة ، وهي مرحلة خطرة بكل تاكيد لانها تلغي الكثير من الحقائق المجتمعية والثقافية والاقتصادية ، « فالمرتاح ماديا وماليا ليس بالضرورة « فاسد وحرامي وسارق « ، وفي المقابل ليس بالضرورة ان يكون الفقير كسولا وغير منتج وغير مبدع ، فهذه الحالة من ضبابية القيم والتقييم خطيرة جدا تنزع الشرعية المواطنية بل والانسانية عن افراد المجتمع وتحيلهم فاسدين ولصوصا او كسالى وأغبياء وشحاذين.
هل تستطيع الحكومة فعل شيء عاجل يساهم في تخفيف الاحتقان المجتمعي وتصويب المفاهيم وتعزيز قيم الاخوة والمواطنة والتعاضد الاجتماعي ؟؟؟... الجواب نعم بكل تاكيد... والسؤال كيف ؟؟
في الجواب يجب التاكيد على حقيقة موضوعية وجوهرية وهي ان ما يمر به الوطن هو ازمة اقتصادية بنيوية مركبة تحتاج لخطط وبرامج فاعلة وعقول وطنية مخلصة تعمل على انتشال الاردن من هذه الازمة ، ولكن قبل كل شيء يجب ان تقوم الحكومة بتلبية الحاجات الماسة للناس وهذا لا يتم الا بالمسح الميداني الدقيق لبؤر الفقر في عموم المملكة كمرحلة اولى والاستفادة من هذا المسح في توفير « بنك معلومات « يجرى تحديثه بصورة دورية عبر فرق متخصصة من وزارة التنمية الاجتماعية والمؤسسات المدنية غير الربحية المعنية بهذا الامر ، وهذا اجراء علاجي مستعجل ، اما الاجراء الذي يجب ان يتبعه فهو الاحتكاك بالفقراء ومشاكلهم وبصورة دورية وليس على غرار زيارات « الفزعة « لبعض الوزراء والمسؤولين ، وهنا اقترح صياغة مبادرة مشتركة من وزارة التنمية الاجتماعية وكل من وزارة الثقافة والشباب تحت مسمى مقترح ( وزراء بين الفقراء ) وهو عنوان قابل للتغيير على ان يكون لهذه المبادرة خطة زمنية ومكانية تغطى كل التراب الوطني الاردني وهدفها الاساسي هو اعادة التوازن داخل المجتمع ووقف التدهور في حالة الثقة بين ابناء الوطن وذلك من خلال حوارات تركز وتشرح طبيعة الازمة الاقتصادية وجذورها وانها ازمة وطنية عامة الكل يدفع ثمنها وليس الفقراء فقط ، ومن خلال التركيز على اننا كلنا شركاء في الحل.
الفقر كافر... والامام علي رضي الله عنه قال جملته الشهيرة ( لو كان الفقر رجلا لقتله ) ، وهو قائل قوله الماثور الاخر ( الفقر في الوطن غربة والغنى في الغربة وطن ) والامام هذا الهاشمي الطاهر كان ومازال ضمير الامة العربية والاسلامية ، فعلى الدولة ان تسارع بقتل الفقر قبل فوات الاوان.
Rajatalab5@gmail.com
الرأي