حالة البلاد .. وماذا بعد؟
د. بسام البطوش
30-12-2018 07:05 PM
هذه "المقاربة" لتقرير حالة البلاد ليست دعوة لتبني كل ما ورد فيه من آراء وتوصيات وحلول ومقترحات كمسلمات، كما أنها لا تنحاز لاتخاذ موقف مسبق من التقرير لجهة رفضه أو تجاهله، وإدانته استنادا الى مواقف مسبقة.
ما أرمي اليه من هذه "المقاربة" هو الدعوة للتوقف مليا عند التقرير بوصفه مبادرة جادة وجدية وجيدة، لتشخيص التحديات والهموم والمشكلات والطموحات والأمنيات الوطنية، والوقوف على حالة العباد والبلاد الأردنية في مطالع القرن الحادي والعشرين، وفي لحظة نقر جميعا بأنها مثقلة بالهموم والتحديات الشائكة بكل صنوفها وألوانها.
امتلأ الفضاء الأردني بأصوات متعددة الدوافع والأهداف، تلح كلها وتؤكد منذ سنوات، بأننا نحتاج لوقفة تأمل ومراجعة وإصلاح وإعادة بناء لأحوالنا العامة. جرى التعبير عنها حتى في الخطاب الملكي، وعبر التوجيه الملكي في مناسبات متكررة الى مراجعات شاملة، بل الى ثورة بيضاء، ظهرت في كتب التكليف وخطابات العرش والأوراق الملكية النقاشية، فجميعها أكدت الدعم الملكي غير المحدود لحوار وطني معمق ومفتوح حول الشؤون الوطنية على اتساع نطاقاتها وفضاءاتها، بناء على تشخيص دقيق لما نواجهه من تحديات وما نمتلكه من فرص. في هذا السياق يمكننا قراءة صدور تقرير " حالة البلاد" عن المجلس الاقتصادي الاجتماعي.
اعتدنا في بلادنا على وجود مؤسسات لا تعمل، وعلى التعايش مع هياكل مفرّغة من أي مضمون، وتعايشنا طويلا مع هيئات على شكل جثث هامدة. فالسائد أن يقبع الناس داخل هياكلهم بلا حراك ، وإن طلب منهم إنجاز مهمة ما، تأتي غير ناضجة وعلى عجل. بمعنى أننا نفتقد لمؤسسات تبادر لملء الفراغ ولانتاج الفعل والأفكار وتثير الجدل الوطني الجاد والمنهجي حول مجمل الكوارث التي أدمنا التعايش معها، وأبدعنا في شجبها والتنديد بها أيضا! ما يسجل للمجلس الاقتصادي الاجتماعي أنه حاول أن يجتهد، وأن يفعّل وجوده، وأن ينهض بواجباته، وأن يحقق غاياته، التي بررت وجوده أساسا.
وقدم انموذجا في اقتحام المناطق المغلقة، وفتح الملفات المهملة، ومناقشة القضايا المسكوت عنها. فجاء تقرير حالة البلاد باطاره الشامل الممتد على مساحة الهموم والشؤون الاقتصادية والاجتماعية، وعموم القضايا الوطنية، وبمشاركة حوالي سبعماية خبير ومختص، من ذوي الخبرة والتجربة والرأي، من القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني. لتتبلور هذه الجهود في تقرير يشخص حالة البلاد عبر منهجية تشاركية، تنقلنا من حالة التلاوم والتنصل والانكار، الى حالة التقصي والتشخيص والتحليل والنقد لأوجاعنا ومشاكلنا وهمومنا. ولما كان لدى الأردنيين حساسية عالية من الاستعانة بالأجنبي للمساعدة في تشخيص الواقع واقتراح الحلول في شؤون بلادنا، ولما كان لدينا عتب على الحكومات عندما تحتكر الخلوات وتقتصر حواراتها على ذاتها وهي تهم بمعالجة أدواء حالتنا العامة، ولما كان لدينا عتب على مؤسساتنا الرسمية عدم استماعها لذوي الرأي والخبرة والتجربة والموقف من الأردنيين، ولما كان لدينا عشم ورجاء ومطالبة دائمة بأن تعمد الحكومات الى فتح آفاق الحوار الوطني حول مجمل الحالة العامة، ولما كان لدى أحزابنا ونقاباتنا وبرلماناتنا فقر معرفي مزمن. أعتقد لما كان كل ذاك، فقد حرص المجلس على أن يأتي التقرير بالإسلوب والمنهجية وللأهداف، التي جاء بها ومن أجلها.
وماذا بعد؟
هل نكتفي بتوصيف التقرير، والتغزل به أو إدانته؟ هل المطلوب اضافته الى رف جديد من رفوفنا المزدحمة بالوثائق والاستراتيجيات والخطط؟ هل المطلوب أن تأخذ الحكومة هذه الوثيقة المنهجية لتخضعها للدراسة والتقييم والتعلم والافادة والتنفيذ، وتكلف وزاراتها وقطاعاتها كافة بدراسة الفصول المتعلقة بها ووضعها موضع الدرس والتطبيق؟ هل تنجح الحكومة في اجتراح خطة تنفيذية تتوفر لها الموارد البشرية والمالية اللازمة، وبجدول زمني لتطبيق ما تؤمن أنه يحقق المصلحة العامة من التوصيات الواردة في تقرير حالة البلاد؟
وهل تناقش الجامعات ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسة التشريعية والاعلامية والقطاعات كلها، ما يتعلق بها في هذا التقرير وتخضعه للنقاش والحوار والتعلم والتنفيذ؟ هل ننتظر صدور تقرير حالة البلاد بشكل ممأسس ومنهجي على رأس كل سنة؟ على أمل أن نغادر ثقافة الفزعة والعليق عند الغارة، التي تحكم الأداء الوطني العام، سيما ونحن نفتح أبواب المئوية الثانية من عمر دولتنا العزيزة!