المنظور الفلسفي لوظائف الجامعة المعاصرة وفق رؤية "عمان العربية"
أ.د عدنان الجادري
30-12-2018 12:48 PM
تعد الجامعة وفي كل العهود التي مرت بها البشرية ومنذ الف عام وأكثر رمزاً لنهضة الأمم وعنواناً لعظمتها ورقيها , و ضرورة اجتماعية وحضارية تمليها متطلبات العصر باعتبارها الكيان الذي يحتضن البيئة الثقافية بأبعادها الفكرية والعلمية والتكنولوجية وتمثل عقل المجتمع وضميره الأنساني في مواجهة التحديات والتغيرات على الصعيد الحضاري والفكري وعين المجتمع في رؤيته وتطلعاته نحو المستقبل استلهاماً من تراثه وشخصيته الحضارية . وغالبا ما يقاس تطورالأمم في ضوء المكانة التي تتبوؤها الجامعة ومؤسساته التعليمية الأخرى باعتبارها البيئة العلمية المؤهلة لامداد مؤسسات الدولة والمجتمع بالموارد البشرية الكفوءة والمقتدرة على صياغة التاريخ و تحقيق التقدم في كافة ميادين الحياة. والجامعة بمفهومها المعاصر هي مصنع المعرفة واهدافها لن تعد ترفا مجتمعياً لأعداد موارد بشريةومنحهم شهادات في اختصاصات مختلفة لشغل الوظائف في سوق العمل بل اصبحت خياراً استراتيجيا في اطارمنظومة استثمار وتنمية الموارد البشرية ، لان الطريق الوحيد لمواكبة التطور والتقدم هو ارساء دعائم وأستراتيجيات لتنمية الموارد البشرية الكفوءة والمقتدرة لأن تؤدي دوراً ريادياً وقيادياً في احداث تحولات جذرية هادفة في بنية المجتمع وتطوره اقتصاديا واجتماعياً وحضارياً.
وجامعة عمان العربية التي تأسست عام 1999 م تعد واحدة من مؤسسات التعليم العالي في الاردن الذي انبثقت من ارضه الحضارة مطرزة بالعلم والفكر والأبداع ونبراساً يملئ الارض . وتواصلاً مع هذا الماضي العريق والحاضر المشرق شيدت هذه الجامعة لتكون صرحاً علمياً وامتداداً حقيقياً للعلم والفكر والمعرفة في ارض الحضارات , وكياناً فكرياً حقيقياً يستطيع المساهمة في صياغة المستقبل لابناء الأمة في ضوء حاجات المجتمع ومتطلبات سوق العمل محلياً واقليمياً وعربياً .
أن جامعة عمان العربية تؤدي رسالتها وتمارس وظائفها وتحقق اهدافها وفق أطار فلسفي قائم على ثوابت المجتمع العربي وقيمه ومعايير الجامعة في مفهومها المعاصر الذي يؤكد على احترام العقل والتمسك بقواعد الخلق والنزاهة والصدق وتاكيد قيم الحق والعدل والمساواة . ان هذه الرؤية الفلسفية تلزم الجامعة لاداء مهامها بأمانة وتحقيق اهدافها بفعالية وصدق ومسؤولية لبلوغ الريادة والتميز. و تسعى الجامعة وبشكل مستمر لتكون رائدة في ترسيخ وتوحيد الثقافة المؤسسية المنبثقة من رؤية التعليم العالي ورسالته, وأن تكون رائدة في تهيئة البيئة الجامعية التي تلبي تطلعات الطلبة وتعزيز النشاطات العلمية والرقي بمستوى تفكيرهم علميا ومعرفيا واخلاقيا وسلوكيا , وأعتماد وتطوير معايير ادائية لقياس المستوى العلمي والتطبيقي لطالب الجامعة من خلال تحقيق معايير الاعتماد العالمي للجامعات في جميع البرامج العلمية بهدف تخريج جيل متميز بخصائصه العلميه والمعرفيه والقيميه, وقادراً على انجاز ما يكلف به , ومتفاعل مع التحديثات العلمية المعمول بها في جامعات العالم المتقدم . اضافة الى تعزيز التواصل مع المؤسسات التعليمية المتقدمة في جميع المجالات الاكاديمية والمعرفية و التنافس لبلوغ التطور الهادف . وشرعت الجامعة إلى المزاوجة بين التربية والتعليم وتطبيق معايير الجودة والاداء الاكاديمي والانفتاح على الجامعات العالمية المناظرة سعيا منها للحصول على التصنيف الدولي ، مسخرة في ذلك كافة الطاقات والامكانات المادية والبشرية لتحقيق الهدف المنشود وتوفير بيئة تعليمية ذات جودة عالية في مجالي التعليم الاكاديمي والبحث العلمي المتخصص، وتنمية المهارات والخبرات القيادية للعاملين مما جعلها خلال فترة قياسية في مقدمة الجامعات الخاصة وفي مصاف الجامعات العالمية المرموقة.
وجامعة عمان العربية منذ تأسيسها كجامعة متخصصة بالدراسات العليا تقدم برامج على مستوى الدكتوراة والماجستير والدبلوم العالي وكانت تسمى حينذاك جامعة عمان للدراسات العليا , وقد ضمت اربع كلية بمسميات تنسجم مع مسمى الجامعة وهي كلية االدراسات التربوية العليا وكلية الدراسات القانونية العليا وكلية الدراسات الادارية والاقتصادية العليا وكلية العلوم الحاسوبية العليا وجميعها تقدم يرامج الدكتوراة والماجستير والدبلوم العالي في اختصاصات علمية متنوعة وسرعان ما اتسعت الجامعة نحو فتح برامج وتخصصات جديدة في اطار مسيرتها العلمية الرائدة ، لتستحدث كليات تمنح درجة البكالوريوس منذ عام 2009 وعلى مراحل مخططة ومدروسة ابتداءً بكلية الآداب والعلوم و ثم كلية الهندسة وكلية الصيدلة واخيراً كلية علوم الطيران التي انشأت عام 2017 / 2018 وفق اتفاقية مشتركة ابرمتها الجامعة مع اكاديمية الطيران الأردنيية وقد بدآت الكلية عملها في اول تخصص لها في العام الحالي ببرنامج صيانة الطائرات على أمل التوسع مستقبلاً باستحداث برامج اخرى .
وحالياً يطلق على الجامعة مسمى جامعة عمان العربية لتشتمل على برنامجي البكالوريوس واالماجستير في تخصصات وبرامج متعددة . حيث يبلغ عدد برامج في البكالوريوس فيها( 21 ) تخصصاً والماجستير ( 16 ) تخصصاً موزعة على كليات الجامعة الثمانية . وهذه الجامعة مستمرة بجهودها وفاعلية قيادتها الحالية وبتعاون أداراتها وهيئتيها التدريسية والادارية لترتقي بخططها الآنية والاستراتيجية بما يليق بها صرحاً علمياً وثقافياً واجتماعياً يعكس حضارة الاردن الناهض وتاريخه المشرق ومستقبله الزاهر في ظل قيادة حادي ركب الامة جلالة الملك المعظم عبد الله الثاني ابن الحسين ( حفظه الله ورعاه ) .
ودأبت الجامعة في إطار فلسفتها ورؤيتها للمستقبل على القيام بوظائفها الثلاث المنوطة بها في التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع بفاعلية واتقان. فبالنسبة لوظيفة التعليم حرصت الجامعة على تطويرالعملية التعليمية التعلمية التي قوامها الطالب والاستاذ والمنهج الدراسي وتوفير البيئة الفيزائية والاجتماعية والعلمية المتطورة . والتأكيد على الدور المطلوب من الاستاذ الجامعي بالابتعاد عن الأملاء والتلقين والحفظ قدر الأمكان وممارسة التدريس القائم على تنمية التفكيربكافة انواعه والقدرة على الفهم والتحليل والتفسير والاستنتاج وحل المشكلات وتنمية الشخصية .واكسابهم القدرة الابتكارية والابداعية والتحكم بالتغيير.
ولذا فأن ليس هناك من شك إن تغيير دور الاستاذ الجامعي جاء بفعل أيمان القيادة الجامعية ووعيها باهمية تدريب اعضاء هيئة التدريس والارتقاء بأدائهم التعليمي من خلال عقد الدورات والورش تدريبية التي تقيمها الجامعة بشكل دوري سنوياً لاطلاعهم على اخر التطورات في مجال اساليب وطرائق واستراتيجيات التدريس الحديثة وآليات التخطيط للدرس الفعال واعداد ملف المساق وتوظيف تقنيات الحاسوب في التدريس وتنمية مهارات وتصاميم البحث العلمي وغيرها من الموضوعات. أضافةالى تنظيم برامج وعقد ندوات هادفة لربط عضو هيئة التدريس بقطاعات الانتاج والخدمات ومجالات العمل التطبيقي . فضلاً عن الاهتمام بتحسين البيئة التعليمية الملائمة واستحداث انظمة فاعلة لتقييم اعضاء الهيئة التدريسية مستندة في ذلك على عقد حوارات تفاعلية مستمرة معهم .
وبالنسبة لوظيفة الجامعة المتعلقة بالبحث العلمي فقد تميزت فيها جامعة عمان العربية منذ تأسيسها وذلك باسهامها في اعداد جيل متسلح بمهارات بحثية متقدمة من حملة شهادتي الماجستير والدكتوراة ليتبوؤا مكانة اكاديمية وقيادية في مؤسسات السوق الأردني والعربي .ولأعضاء هيئة التدريس دور كبير ومؤثر في تفعيل حركة البحث العلمي وتطويره وذلك من خلال انتاج البحوث العلمية والتي وصلت الى حوالي بحث لكل عضو هيئة تدريس سنوياً في المتوسط على مستوى الجامعة وهذه النسبة تعد حالة متقدمة قياساً بالجامعات الوطنية والاقليمية والدولية . أضافة الى بحوث طلبة الماجستير التي يتم نشرها من قبلهم وبمشاركة مشرفيهم باعتبارها شرطًاً من متطلبات التخرج بعد اكمالهم مناقشة رسائلهم الجامعية وفقاً لتعليمات عمادة البحث العلمي والدراسات العليا المعمول بها في الجامعة . ويجدر الاشارة الى ان سياسة البحث العلمي في الجامعة تنظم وتوجه وفق استرتيجية علمية ودقيقة وواضحة الرؤى والمعالم ويدركها اعضاء هيئة التدريس من خلال عقد الندوات والاجتماعات المتخصصة التي لا تألو أدارة الجامعة من عقدها . وتتمثل استراتيجية البحث العلمي في الجامعة في الآتي :
1-اعداد خطط بحثية خاصة بكل كلية من كليات الجامعة تساهم نتائجها في حل مشكلات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والتربوية ...
2- تخصيص ميزانية سنوية لتمويل البحوث العلمية وصرفها وفق اولويات البحث العلمي لتخصصات الجامعة من خلال الفائدة التي يمكن تحقيقها لسوق العمل والمجتمع .
3- تأهيل ورفد مكتبة الجامعة والكليات باحدث المراجع والكتب والدوريات الورقية والألكترونية وتوفير الاجهزة والحواسيب للبحث العلمي .
4- بناء وتحسين قدرات اعضاء هيئة التدريس من خلال التدريب المستمر والتأهيل في مجال البحث العلمي وتصميماته المتنوعة لمواكبة التطور التكنلوجي .
5- توفير الكوادر المساندة من ادارات وفنيين تساهم في تلبية متطلبات ودعم البحث العلمي.
6- التعاون مع الهيئات والمؤسسات العلمية والبحثية داخل المملكة وخارجها في مجال اجراء البحوث المشتركة وتبادل المعارف والخبرات لتنمية جيل من الباحثين المميزين في اجراء البحوث الاصيلة والتطبيقية ذات المستوى الرفيع.
7- انشاء قاعدة معلومات للبحوث الجارية والمنتهية في الجامعة وتبادل المعلومات والخبرات مع المؤسسات العلمية الاخرى محليا واقليميا ودوليا.
8 - حث اعضاء هيئة التدريس على اشتراكهم في عضوية الجمعيات العلمية المحلية والعالمية ذات التخصصات المناظرة لتخصصاتهم للاستفادة من الامتيازات والفعاليات التي تؤديها هذه الجمعيات لاعضائها.
9- تشجيع نشر نتائج البحوث العلمية في وسائط النشر المحلية والدولية الرصينة وذات التصنيفات العالمية .
10- تحفيز الباحثين من اعضاء هيئة التدريس وطلبةالدراسات العليا على اجراء البحوث الاصيلة والمبتكرة التي تسهم في اثراء المعرفة المتخصصة في خدمة المجتمع وتقديم المشورات العلمية وتطوير الحلول العلمية والعملية للمشكلات التي تواجه المجتمع .
11- تشجيع الباحثين في الحصول على براءات الاختراع مع توفير بيئة لتطبيقها والاشتراك مع القطاعات الأنتاجية والخدمية لغرض تسويقها.
12- السعي نحو توفير وسائل ومواقع التوثيق العلمي لتسهيل مهمات الباحثين في مجال النشر العلمي .
وأخيراً لم يعد دور الجامعة مقتصراً على وظيفتي التعليم والبحث العلمى فحسب،وانما أصبح لها وظيفةلا تقل أهميةعن تلك وهي وظيفة خدمة المجتمع، والتى اصبحت جزء من بنية ومسئولية الجامعة نحو المجتمع وذلك انطلاقاً من اهتمام الجامعة بشكل كبير فى نشر الفكر، والتقدم العلمى، والتكنولوجى، الذى يعطى للجامعة بعداً رئيسيا فى تحقيق الرفاهية للمجتمع .وقد وضعت الجامعة منذ نشأتها في الاعتبار انها بمنزلة مركز للتقدم الحضارى فى جميع النواحى العلمية، والثقافية، والاقتصادية، والاجتماعية، بالإضافة إلى كونها الوسيلة الأساسية لنقل وتطوير منجزات البحث العلمى. وان ارتباطها بالمجتمع والبيئة هي ضمن رؤيتها وتوجهاتها ومنطلقاتها الفلسفيه التي تؤكد ان الجامعة لا توجد فى فراغ، بل انها توجد في اطار مجتمعي تحيط به ظروف جغرافية وبيئية تؤثر فى طبيعته وخصوصيته. فغاية الجامعة ومسوغ وجودها هو خدمة المجتمع وتنمية البيئة المحيطة به .
وعليه فأن جامعة عمان العربية في اطار منظورها الفلسفي تؤدي وظيفتها الثالثة في خدمة المجتمع وفق المبادىْ الآتية :
1. توظيف التعليم للإرتقاء بالمجتمع فكريا و علميا وثقافياً.
2.توظيف نتائج البحث العلمي لحل مشكلات المجتمع وتطوره .
3.تقديم خدمات عامة لافراد المجتمع من خلال تشجيع المبادرات التي تنفذ من قبل الطلبة بتوجيه من اعضاء هيئة التدريس للإرتقاء بالمجتمع اجتماعياً وثقافياً .
4.الإبداع والريادة في الاداء المجتمعي بتقديم مبادرات تخدم احتياجات المجتمع المحلي بمختلف شرائحه. فدور الجامعة ليس لتطوير المعرفة فحسب بل تفجيرطاقات الطلبة الثقافية و الفنية و الأدبية لتفعيل دورهم في خدمة المجتمع.
5.استنهاض العقلية الواعية المدركة لحاجات ومشكلات المجتمع المحيبط بالجامعة و البيئة .
6. تنمية المهارات التي تتطلبها انشطة وممارسات المجتمع المحلي والتي تعبر عن احتياجات الافراد والمجموعات التي تقع في اطار تخصصات الجامعة وذلك من خلال عقد الورش التدريبية والمحاضرات واللقاءات والندوات المتخصصة وفرق العمل وغيرها ..
والله من وراء القصد ....