الكتابات الملغّزة عن طبخة جارية بشأن اللاجئين وانشغال دوائر القرار في الأردن بالملف واستحقاقاته سخّنت بصورة استثنائية المناخ السياسي المحلي، حيث تدور التكهنات و"نتف المعلومات" عن قرارات وإجراءات قيد البحث تتصل باستحقاقات الحلّ ودور الأردن فيه.
أقترح أن "نهدّي الخواطر" قليلا، ليس لأن المعلومات تقول إن كل ما يتمّ تناقله هو محض خيال بل لأنّ أي تحليل "عاقل" يقول إن الملف سيخضع طويلا للتداول كجزء من قضايا الحلّ النهائي، وهذا على فرض أن ثمّة حلا نهائيا يلوح في الأفق، ولا بدّ للمرء أن يضع رأسه في الرمال تماما لكي يثق بذلك.
على أن احتمالا آخر يمكن أن يرد وهو أن يدخل ملف اللاجئين ضمن آلية تجزئة للحلّ النهائي تقدمه على غيره من قضايا شائكة، مثل القدس والحدود ومصير المستوطنات، وتجزئة الحلّ مرفوض حتّى الساعة عربيا وفلسطينيا وفق التصريحات الرسمية على الأقل.
في إطار تجزئة الحلّ يمكن لقضية اللاجئين أن تلي صفقة وقف الاستيطان مقابل التطبيع الجزئي وتولد مناخات إيجابية تشمل إزالة الحواجز وتخفيف القيود وتحسين مستوى معيشة الفلسطينيين وتمكين السلطة الفلسطينية من سيطرة أوسع على مناطقها. وهنا فإن الحلول لقضية اللاجئين قد تدخل في إطار مفاوضات متعددة الأطراف تتقدم على سواها، وستتقدم مقترحات ستفترض الولايات المتحدة وإسرائيل أن التوافق عليها سيشجع على المضي قدما في القضايا الأخرى، وسوف يطمئن اسرائيل على هويتها ويزيل مصدرا رئيسيا للخوف، تماما مثلما يسوق الآن أن خطوات تطبيعية ستشجع اسرائيل وتعطيها ثمنا مناسبا لوقف الاستيطان.
حين تقدم قضية اللاجئين سوف يفترضون أن حلّها يزيل عقبة رئيسية من أمام قيام الدولة الفلسطينية، والحقيقة أنه يسحب ورقة رئيسية في التفاوض على قضايا الحلّ النهائي ما يتيح لإسرائيل أن تتبجح وتفرض شروطها في قضايا القدس والحدود والأمن. ومن المفهوم ضمنا أن حلّ قضية اللاجئين سوف يغلب عليه التعويض والتوطين أو العودة الى الدولة الفلسطينية العتيدة، لكن يفترض أن يكون هذا تنازلا فلسطينيا ضخما مقابل الحصول على حدود 67 والقدس.
تقديم الملف والتوافق على الحلّ بشأنه سيضعف كثيرا الموقف الفلسطيني التفاوضي، أمّا بالنسبة للأردن فهو كارثة فهو سيشارك سلفا وبالنسبة الكبرى لحلّ التوطين بينما مستقبل الدولة الفلسطينية باق في مهبّ الريح، بينما الصفقة بشأن اللاجئين يجب أن تكون جزءا لا يتجزأ من الحلّ الشامل، ويجب أن ترى الدولة الفلسطينية النور لكي يقبل الأردن بتقاسم الحلّ بين المواطنة النهائية الأردنية والفلسطينية وعودة بعض ابناء الـ48، إذا كان سيتمّ قبول عودة عدد منهم في إطار لم الشمل، وفق نصوص بعض التفاهمات السابقة.
إذا كان لقاءات رسمية قد سبرت غور الحلول المحتملة، فلا نتخيل أن المسؤولين الأردنيين يمكن أن يقبلوا حلاًّ مبكراً لقضية اللاجئين، ناهيك أن يتجرأ أحد منهم على تسويقه للناس!
jamil.nimri@alghad.jo