عندما تأتي الصدفة برئيس تقوده غرائزه ويفتقد للحد الأدنى من مقومات القيادة يكون عزله بمثابة استباق لمنع حلول كوارث لا يمكن تخيلها. مناسبة هذا الحديث هي حالة العزلة التي وصل إليها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد أن بدا وحيدا يقف أمام الدولة العميقة ممثلة بالكونغرس ووكالة الاستخبارات الأميركية والبنتاغون والإعلام الأميركي.
قبل يومين كتبت اليزابيث درو بصحيفة النيويورك تايمز مقالا تتحدث فيه عن حتمية عزل الرئيس ترامب، ويجادل المقال بأن الحزب الجمهوري قد يصل إلى نتيجة قريبا تفيد بأن الرئيس دونالد ترامب أصبح عبئا كبيرا على حزبه ومصدر خطورة على الولايات المتحدة. وعليه ترى اليزابيث بأن لا مفر من البدء بإجراءات العزل. ويعوّل الكثير من المراقبين بأن رئيسة مجلس النواب المنتظرة نانسي بيلوسي ستبدأ بإجراءات العزل مبكرا وهو أمر سيحوز على تأييد غالبية أعضاء مجلس النواب لكن هذا يتطلب أيضا ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ الذي مازال الحزب الجمهوري مسيطرا عليه.
اعتمد الرئيس دونالد ترامب على قاعدة يمينية وعلى تأييد لوبي إسرائيل واعتقد ان هاتين الركيزتين كفيلتان بأن يحكم بالشكل الذي يريد، وهنا لا بد من الإشارة إلى كلام وزير خارجيته المستقيل ريكس تيلرسون عندما قال بأن ترامب لم يكن منضبطا ويفضل العمل خارج القانون. وشكل تيلرسون مع ماتيس (الذي سيترك منصبة كوزير للدفاع في غضون أسبوعين) ومكماستر (مستشار الأمن القومي السابق للرئيس ترامب) ما سمي حينها بمحور الراشدين، فقد مارس هؤلاء الثلاثة ضغوطا كبيرة على الرئيس حتى لا يرتكب حماقات في السياسة الخارجية، وبالفعل اتفق الثلاثة على ألا يكونوا خارج الولايات المتحدة بنفس الوقت لضرورة البقاء قريبا من الرئيس للتأثير عليه.
سهام النقد التي تطال الرئيس ترامب لا تأتي فقط من قبل خصومه السياسيين بل من قبل كبار أعضاء الحزب الجمهوري وبخاصة من السناتور ليندزي غراهام بالإضافة إلى الاعلام والدولة العميقة. ولعل تحقيقات مولر هي الأهم في هذا السياق، وتفيد التسريبات أن موقف الرئيس صعب جدا في هذه التحقيقات وهو أمر لن يكون بوسعه تجاهله في قادم الأيام. وحتى أكثر المؤيدين له بدأوا يعيدون النظر في الموقف من الرئيس، فإسرائيل على سبيل المثال التي تقول بأن ترامب هو أكثر شخص مقرب من إسرائيل (نظرا لقراره الشهير في نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بالأخيرة عاصمة أبدية لإسرائيل) بدأت تتخلى عنه تدريجيا بعد قرار ترامب الانسحاب من شرق الفرات، الأمر الذي يبعث برسالة للإسرائيليين تفيد بأنه لا يمكن الاعتماد على ترامب في قادم الأيام.
صحيفة هآرتس الإسرائيلية نشرت مقالا لأحد ضباط الموساد السابقين يقول بأن الرئيس بوتين هو الذي قرر دعم ترامب لأن الأخير هو الأفضل لمصالح روسيا. طبعا القصة معروفة لكن بعد أن تأتي في الصحافة الإسرائيلية فهذا يعكس أن تغيرا ما في إسرائيل بدأ يطل برأسه في الموقف من ترامب، فالرئيس ترامب قد لا يكون أفضل صديق لإسرائيل وفقا للكثير من الإسرائيليين.
وعليه، ربما لن تخوض القوى المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة حربا نيابة عن ترامب وقد تتركه فريسة للتحقيقات القضائية التي يجريها مولر والإجراءات التي تنوي نانسي بيلوسي القيام بها مع بداية الشهر القادم. بالتأكيد ستشهد الساحة الأميركية حراكا من نوع مختلف وغير مألوف في السنوات الأخيرة لكنه بكل تأكيد سيضعف من ترامب وسيحوله إلى بطة عرجاء، بتقديري أن الذي سيحدد مستقبل ترامب هو الحزب الجمهوري وليس الديمقراطي، وإذا ما انحاز أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري لصالح فكرة عزل الرئيس فحينها لن يكون ترامب رئيسا للولايات المتحدة ولن يكمل مدة فترة رئاسته الأولى. لكن أيضا لا يمكن البت في الموضوع قبل أن تظهر نتائج التحقيق بشكل نهائي.
الغد