في مثل هذا اليوم قبل ثلاث سنوات انتقل والدي إلى الرفيق الأعلى، افتقده كثيرا ،واستذكر سنواته وأيامه وديوانه ومدرسته الفكرية الخاصة ورؤيته عن الحياة والبذل والعطاء، ثم لا أحاول أن أتذكر آخر سني عمره، في عمرالتسعين لا يمكن أن تتوقع نهوضا سريعا، خصوصا مع المرض والهرم، ولكن أتذكر كيف كانت الدولة ورجالاتها حينما كان يجول فيها، وكيف ضربت الدولة جلطة دماغية منذ عام 1996 أعاقت حركتها.
والجميع يحرص على خدمة الدولة لا خدمة أنفسهم، قبل أن تبدأ الحكومات بتفخيخ قواعد الدولة، فاستبدل المجتمع نظريته عن النزاهة والوزير الفقير والرئيس المزارع ورجال الأعمال الذين يخدمون المجتمع بأعمالهم بالتشغيل والتمكين ، حتى بدأت ماكينة تفريخ المسؤولين والنواب أصحاب المصالح والبزنس والانتفاع وتقاسم الحصص، وللوصول الى تفريغ الوطن من قواه وثرواته جاءنا نفر بنظرية بيع كل ما يتعلق بالدولة لصالح القطاعات الخاصة والشركاء الإستراتيجيين، لتصبح الدولة أشبه بباخرة مستأجرة تحمل البشر والبضائع وتتجول بهم وسط تلاطم الأمواج العاتية.
إن تذكُر جيل آبائنا يدعوا للبكاء، فلم يولدوا في غرف المستشفيات ، بل على ما أجزم أنني ولدت شخصيا في غرفة من البيت ليس فيها ماء ساخن، رحم الله أمي، و مع هذا كان جيل رجال شرفاء ومجاهدين ومقاتلين عن حياض الوطن وقيّم المواطنة دون كتابة ذلك على سندات القبض ، وكانت النساء ماجدات، يلدن الحشود والجنود فخدموا للبناء، ولم يكونوا يظنون أنهم يجهزون لجيل استسهل العيش مع الفساد، فهدمّوا الإنجاز بدعوى التطوير، وما نراه اليوم هو بركة فشلهم.
سنقفل غدا ملف العام 2018 ، ورغم أنني غير متفائل كثيرا في تحسن الأوضاع الاقتصادية ، فإنني مؤمن بالله وبقدره وبقدرته، فهذا البلد رغم بعض الرؤوس الفارغة التي قادته لمزالق معقدة ، فإن الله دائما ينجده ، فهو قبلّة الهاربين من ضيم ديارهم، والباحثين عن أمن أطفالهم والطامعين بلقمة عيش من كدّ أيديهم، ففي هذا الوطن ماء وخبز للكثير ممن لم يخطر لنا أن نراهم، هذا الوطن مبارك وفيه بركة، ولهذا لم يسقط رغم انتزاع أحشائه، فهو صامد بعموده الفقريّ وهيكله العظمي وبعض من لحم طرّي، وعلى الرئاسات الحكومية وتوابعها أن يعملوا لفتح بوابة العام الجديد بالعمل والجهد دون إضاعة الوقت في محاسبة الناقدين.
لقد بات من الظلم عقد مقارنات ما بين الماضي والحاضر وبين الأموات الأحياء والأحياء الأموات، ولكن من يتفرّس بالأوضاع الداخلية لبلاد العرب من شرقها الى غربها، والدول الثلاث المحيطة، يجد أن الأحوال الاقتصادية متدهورة ، والمالية العامة متأزمة ، ولكن الحكومات تعمل باجتهاد لتحفيز النمو وتشجيع المشاريع وتدعم سوق الشراء لأن ذلك ما يدر مداخيل جيدة للضريبة، وهذا ما يجب ان تفهمه الحكومة، فسينتظرنا صيف حارق فكيف سيشرحوا لنا كيف أغلقوا العام ٢٠١٨ علينا وافتتحوا العام الجديد بصندوق «بنادورا»..
الرحمة لأمواتكم جميعا، وطول البقاء لوطننا الذي يحتضن رفات من قاتلوا دفاعا عن المجد ورفعة الأوطان وبقاء الدولة محصنة من صناديق البيع والشراء والديون التي رهنت مستقبل أطفالنا لحساب المرابي الكبير البنك الدولي وشقيقاته، فإن لم نكافح لتغيير عقلياتنا ولتنظيف الساحة من تجار الفرص وعملاء آلام الدولة فلن يكون مستقبلنا أفضل من قبور آبائنا.
Royal430@hotmail.com
الرأي