في بداية كل علاقة نمرّ بها في حياتنا تجعلنا نشعر بأن جميع الأيام القادمة أجمل، وبعد أن نتعلّق لدرجة كبيرة جداً تبدأ كل الأمور بالاختلاف للأسوأ ويوماً بعد يوم سنفقد جمال البدايات، ومع مرور الوقت تزداد صدماتنا بما نشاهده وتصيبنا صدمة الحنين لتلك البدايات الرائعة ولكن دون جدوى وسنعلم أنها أيام وانقضت، فدائماً ما تسحرنا البدايات في جمالها، وعندما نرى الجحود والنكران في النهايات نقول في داخل أنفسنا يا ليتنا لم نبدأ،

لكن أصحاب القلوب الطاهرة لا يتغيّرون نراهم يبتعدون وينسون وفاءً منهم، وينأون بأنفسهم كرامة منهم، وعلى وقع الغياب وصدى النكران ينسحبون متسلحين بالنسيان يبحثون عن مكان خالٍ من البشر يصرخون فيه بكل قوتهم ليخرجوا ما في أنفسهم وما كانوا يكتمون من قهر وألم وأوجاع، فقد تنكّر لهم دهرهم، والخيبة الكبيرة أرخت بسدولها وألقَت بثقلها وناء بها كاهلهم وهم يبحثون بين الأنقاض عن حلم خذلهم أحدث ثقباً كبيراً في نفوسهم لا يندمل، وجرحا غائراً لا يبرأ.

جميل أن تعوِّد نفسك على النسيان كي لا تصاب بصدمة الخذلان من جوقة الكذب عندما ينفضّون من حولك، وجميل أن تتجمّل بالسكوت أيضاً في مواطن الضجيج والثرثرة، سكوت لا يدل على علامة الرضا يومًا بل سكوت وجعٌ مكتوم وأنينٌ ينزفُ.. ولكن لا تشعرون.

بات الظلّ باهتاُ مع ضجيج الروح وأرصفة الانتظار، والقلب صار هشّاً صامتاً يتكئ على جداريات لحناجر خرساء تتكلم بلا صوت وبقايا ذكريات لم تُدفن بعد، الكلمات الجميلة لَم تَعُد تُؤثر بي أو تُبهرني او تُشعِرُني بالقرب، أعيش داخل نفسي وحيداً أداوي منذ سنين جرحاً غائراً عنيداً وطعنة نجلاء في الخاصرة، أنا لم أبحث عن الكآبة يوماً، ولكن الإفراط في الأمل ألقى بي في تلك الزاوية المظلمة!

الحياة هي التي ألجأتني الى مقابلة بشر كانوا بمثابة درس كبير في الخذلان، رأيتهم يتمتعون بأوهامهم وماضيهم المشوّه كمدمني الحشيش تماماً، حالمون كاذبون بالفطرة مزاجهم سيء وأفكارهم لعينة!

لستُ أدري ما سرُّ تحمُّلي لنرجسياتهم وغرورهم وسخافاتهم على مدى سنين طوال، وأنا أمرّ بالصدمة تلو الصدمة وأرى الخيبات وأعاني القسوة متمسّك بثوابتي وباقة من الذكريات التي تجعلني على قيد الحياة، يالخيبتهم يعرفون كل شيء ما عدا عيوبهم، ذابت تفاصيلهم وانمحقت سخافاتهم وحماقاتهم أما بياض النوايا والسجايا كأنها لم تكن، كأن الصدق فيها لم يصمد إلا يوماً أو بعض يوم! حقاً الأشواك لا تفوح عطراً والصحراء لا تنبت زهراً وفاقد الشيء لا يعطيه... قولوا لرياحكم العقيمة أن تعصف كيفما تشاء، فأنا لم يعد لي رغبة في الإبحار.