تحليل أثر قانون الضريبة وتداعياته علی الأردن
د. حسين البناء
29-12-2018 11:43 AM
قانون ضريبة الدخل الجديد، وبعد جدل و معارضة و تنقيح، تم إقراره، وسوف يدخل حيز التنفيذ الفعلي في العام 2019، وسوف تتجلى آثاره السلبية على غالب المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في غضون ثلاثة أعوام عندما يأخذ مداه و انعكاسات تطبيقه.
الاقتصاد الأردني يمر بحالة اقتصادية شاذة منذ بضع سنوات، وهي حالة (Stagflation) الركود التضخمي، وهذه الحالة لا تنشأ نتيجة حركية السوق الرأسمالي الحر الطبيعية، حيث أن آليات الاقتصاد و كنتيجة لتوازنات العرض و الطلب هي كفيلة بالوصول لممارسات (التصحيح الذاتي) للمؤشرات الاقتصادية والتي تعطي الأشياء قيمتها و مكانتها الطبيعية في السوق.
حالة الركود التضخمي هذه تنشأ في حالة الاقتصاد الأردني كنتيجة طبيعية للظروف الموضوعية؛ فالركود هو نتيجة تآكل المداخيل، و تراجع القدرة الشرائية للمستهلكين، وتراجع الطلب نتيجة ذهاب الجزء الأكبر من الدخل لتكاليف المشتقات النفطية و التدفئة و التعليم و المعالجات الصحية، وهذا نتاج تردي الخدمات العامة في مجال الصحة و التعليم الحكوميَين. كما أن تراجع تحويلات المغتربين في الخليج قد ساهمت بذلك أيضًا، بعد سياسات توطين الوظائف وآثار تمويل الحروب، ولا ننس تراجع الدعم المالي الدولي للموازنة العامة كجزء من الضغوط السياسية في ظل حساسية المرحلة؛ أما التضخم فهو نتيجة لارتفاع التكاليف التشغيلية الإنتاجية بسبب استيراد المواد الخام و تكلفة النفط (الطاقة) كعامل رافع للتكاليف، بالإضافة للعبء الضريبي المتنامي والذي يمثل بدوره رافع رئيس و مباشر على جملة التكاليف الإنتاجية. ولا ننس الأثر التضخمي للأسعار بسبب طلب اللاجئين السوريين الطارئ والممول خارجيًا على السلع والخدمات و الإسكان.
قانون ضريبة الدخل الجديد يحقق التصاعدية حيث يزيد ما نسبته 5% على كل شريحة ضريبية أعلى، لكنه غير عادل، فهو سيجني من الفقراء كما يجني من الأثرياء كنتيجة لقيام الأثرياء بترحيل العبء الضريبي للمستهلك النهائي أي المواطن العادي الفقير، فضريبة المبيعات ستعامل الفقير كما الثري و ستجني منه نفس القيمة الضريبية، وهذا ينفي العدالة و يثبت التصاعدية.
الاستثمار يتم جذبه عبر عدة مغريات من أهمها التسهيلات والإعفاءات الضريبية، وفي قانون الضريبة الجديد سوف يعكف المستثمر على حسابات معقدة قبل بدئه بالمشروع الاستثماري كنتيجة مباشرة لارتفاع النسب الضريبية عليه والتي تعني أسعارًا أعلى، مما يعني تخوفات على مستوى الطلب، أي حجم المبيعات التي تمثل مورد الربحية له. ولنا في ما جرى لبورصة عمّان عبرة بالغة و مبكرة، حيث خسر السوق مليار دينار على وقع إقرار القانون الضريبة على عوائد أرباح الأسهم وأدوات السوق المالي.
حالة الركود التضخمي مرشحة للتفاقم أكثر كنتيجة مباشرة لمعطيات قانون الضريبة الجديد؛ فارتفاع العبء الضريبي سيقود لرفع الكلف، الأمر الذي سيقود لرفع الأسعار، وهذا يعني تراجع الطلب نتيجة عدم نمو المداخيل بذات النسبة، مما يعني الكساد، و هذه صورة نمطية من الركود التضخمي المتفاقم. هذه الحالة ستؤدي لاحقًا لتراجع واردات الدولة من الضرائب نتيجة تراجع الأرباح و ما يترتب عليها من ضرائب. الحقيقة تقول بأن سياسات خفض الضرائب هي ما سيقود للاستثمار و تحفيز الطلب و لاحقًا تعزيز الإيرادات العامة كنتاج للنشاط الاقتصادي وتناميه. ما يحدث الآن هو العكس تمامًا.
ممارسات التهرب الضريبي و التهريب و رشوة الموظف العام في العادة تزداد مع غياب قيم العدالة و حسن توزيع الثروة و الشفافية، و تزداد أكثر مع ارتفاع الأعباء الضريبية؛ حيث تصبح المقارنة بين دفع قيمة مرتفعة (من الضرائب والرسوم و الجمارك) مقابل رشوة أقل قيمة، أو تقبّل مخاطرة التهرب و التهريب مقابل عائد مرتفع. ولهذا تقوم حكومات العالم المتقدم بدراسة لأثر الضريبة على مناحي الحياة المختلفة وعلى المدى البعيد كذلك.
قد تنجح الحكومة بتحسين التحصيلات الضريبية ظاهريًا في العام الأول، وربما تزداد الإيرادات بما قيمته نصف مليار دينار، و لكن على المدى المتوسط و البعيد ستكون الخسائر الاقتصادية و الاجتماعية أكبر من ذلك بكثير.