يجمع الأردنيون قيادة وحكومة وشعبا" ، معارضة وموالاة ، رسميون وغير رسميين ، رجالا" ونساء" على أن الوضع في الأردن وبألطف العبارات أنه (غير مريح ) و ( مزعج) و( خطير ) بسبب الظروف الاقتصادية التي يعيشها الناس وهي ظروف تراكمية ساهمت في صناعتها عدة عوامل أهمها الفساد المتجذر والضارب في مختلف المفاصل الإدارية صعودا" وهبوطا" والذي استطاع بناء شبكات فاسدة نراها في تعيينات الوظائف العليا والعطاءات والسفريات والفلل ، نراها في تحول من كان لا يملك شيئا" الى مالك للملايين !!! ورافق ذلك هبوط غير معلن لقيمة الدينار الفعلية بيد المواطنين .
هذا الاجماع على هذا الوضع دفع الجميع للحديث في المسألة ومحاولة تقديم الحلول :
فالحل وفق الحكومة الاعتماد على الذات !! والذات عندها المواطن وجيبه باعتباره البقرة الحلوب الذي وصفناه بأنه (أغلى ما نملك) فحولناه غلاه والغزل به الى اعتباره ( مملوكا" ) يباع لصندوق النقد والسياسات الدولية ، وراحت الحكومات وعلى مدى العشرين سنة الماضية تقترض باسم المواطن وتوقع عنه ودون موافقته !! ولكنه فعليا" هو المسؤول عن السداد ، وارتفعت المديونية من سبعة مليارات الى خمسة وثلاثين مليارا" وصارت الخزينة تلهث لسداد الفوائد الربوية وكلما أصابها العجز راحت للبقرة الحلوب لحلب ما لا يُحلب .
ضج الناس وراحوا يعلنون عن غضبهم وصار الدوار الرابع رمزا" للاحتجاج وهو أمر دستوري وقانوني باعتبار الاحتجاج موجها" للحكومة واستطاع المحتجون إسقاط حكومة الملقي وفرحوا لذلك وافترضوا أن من جاء على أنغام الدوار الرابع سينسجم معهم فهم الذين جلبوه وهيأوا له الفرصة !! لكن (الهوا ما جاء سوا ) حيث جاءت الحكومة لتقيم حملة علاقات عامة مع الناس ولكنها لم تستجب في المضمون !! سحبت قانون الضريبة وجادلت الناس حوله ثم رجعت الى مجلس الأمة ومررت القانون الذي سقطت الحكومة السابقة بسببه !! وقد فعلت ما لم تفعله الحكومة السابقة حيث أسالت دم المعتصمين على الرابع بدم بارد في فعل شنيع ليس له أي تبرير كما انه لا يشكل وفاء" للأصوات التي مهدت الطريق للحكومة الحالية لتدخل مجلس الوزراء !! وما كان هذا الفعل المدان ليؤثر على استمرار الاعتصام الدوري والذي راح يرفع سقف الهتاف كرد فعل على رفع القناوي فوق رؤوس الناس . وستستمر الاعتصامات تطالب وتطالب وتعبر عن وجع الناس بالرغم من اختلاط الهتافات بما هو مطلوب وغير مطلوب .
ومن جهة أخرى تحرك مسؤولون سابقون لا يستطيعون الوقوف في الشوارع ولا السكوت والانزواء يبحثون الوضع ويتداولون الحلول التي يمكن أن يقترحوها للخروج من الأزمة متناسين الوصف الذي قيل عنهم ( ديناصورات ) لأنهم لا ينتمون لجيل الديجيتال ولا الى التيار الشعبي لكنهم استشعارا" للمسؤولية يريدون قول قولتهم حيث تساؤل ملك البلاد عن المسؤولين السابقين ودورهم !! ومع هذا فهم ليسوا بخير مع التيار الشعبي الذي يعتبرهم جزءا" من المسؤولية بينما تنظر لهم الحكومة بريبة فراحت تعاقب رؤساء سابقين بسحب الحراسة عن بيوتهم فما كان منهم الا شكر رجال الامن على دورهم في هذا المجال !! هو قرار حكومي نزق يعبر عن تخوف من تحرك المسؤولين السابقين ليقدموا ( النصح ) لمن يدير الدفة .
الوضع غير مريح بل مخيف اذا أدرنا الأمر بتذاكٍ أو بشعور الرعب أو بسياسة العصا.
البلد ليس بحاجة لمن يتذاكى على الناس بل من يبكي للناس ويشعر بهم . الشعب بحاجة لبل الريق وليس بحاجة الى تصاوير السلفي . الشعب بحاجة لما قيل عن كسر ظهر الفساد بحيث يكون كسرا" حقيقيا" لا انتقائيا" . نريد استعادة المال المنهوب ووقف النزيف وقطع يد السارقين . لا نريد صفقات في العطاءات الاقتصادية والسياسية والاعلامية والاجتماعية . نريد رؤية الطحين لا صوت الجعجعة