تقرير حالة البلاد: جرأة موضوعية وردود متحيزة
عمر الرداد
28-12-2018 01:58 PM
ربما لم يتضمن تقرير حالة البلاد الذي أصدره المجلس الاقتصادي الاجتماعي جديدا بالنسبة للقارئ الأردني،من حيث مضامينه التي ترسم صورة واقعية حول حجم الانجازات التي تحققت في المؤسسات الحكومية،فكل ما جاء فيه يشكل جوهر أحاديث النخب والشارع ،وفي كل عنوان من عناوين التقرير تجد آلاف المقالات وربما البحوث التي عالجت موضوعاته،بدءا من عجز الحكومات عن تنفيذ الاستراتيجيات المعلنة،وتعثر محاولات الإصلاح وتوزيع المكاسب على أسس جهوية ومحاصصات،وغياب معايير الكفاءة والرقابة،وان الخروج من الأزمة يتطلب توافقات على توحيد مفاهيم المصلحة الوطنية،وتحديد الأولويات ،ويختصر رئيس المجلس" د.مصطفى حمارنة" مضمون التقرير ورسالته بقوله" أنّ البلاد تعيش في أزمة مركبة ومتعددة الأوجه، وقد ساهم الجميع في تعميقها من مسؤولين ومثقفين وقوى سياسية وبرلمانيين واقتصاديين وإعلاميين، وأن التراجع والضعف في أداء مؤسسات الدولة واضح، وتتراكم آثاره سنة بعد سنة".
غير أن ما يميز التقرير أولا:شموليته ،إذ جاء تحت عناوين مراجعات بحثية لأوضاع القطاعات والمجالات التي درسها،والتي شملت اختصاصات السلطات الثلاث" التنفيذية ،التشريعية والقضائية"وثانيا:انه يصدر عن مؤسسة حكومية هي المجلس الاقتصادي الاجتماعي،وهو ما يرسي قواعد جديدة في العمل الحكومي، على غرار تقارير ديوان المحاسبة والرقابة والتفتيش،وتقارير المركز الوطني لحقوق الإنسان،بامتلاكها الجرأة في تقديم مقاربات تقييميه موضوعية،تتجاوز مفاهيم التصدي للدفاع عن الحكومة..
كثيرة هي الانتقادات التي وجهت للتقرير ومن جهات عديدة ،ليس من بينها فقط الهيئة المستقلة للانتخابات ،ويبدو أن غالبية تلك الانتقادات جاءت في إطار منظومات قيم وسلوكيات معروفة، جوهرها رفض النقد، أيا كان مصدره، والتخندق بحالة دفاعية والتركيز على الرد ،بدلا من تفحص الملاحظات والتقييمات التي أوردها التقرير،بالإضافة لمواقف مسبقة من رئاسة المجلس،وخاصة رئيسه "الدكتور مصطفى حمارنة" كونه شخصية خلافية بأطروحاته الحداثوية، وأفكار الدولة المدنية، وغوصه غمار المسكوت عنه في تناول قضايا تعتبر بالنسبة لأوساط كثيرة من المحرمات،منذ كان رئيسا للمبادرة النيابية في مجلس النواب،ويزداد وقع الموقف من الدكتور حمارنة،في ظل اتهامات توجه له بأنه "عراب" لحكومة الرزاز، وموجهها في الظل.
لا شك أن التقرير الذي غابت عنه مفاهيم "الهتاف والتخندق" وجاء في إطار أكاديمي ممنهج، يشكل.
فرصة للتعامل معه باعتباره وثيقة مرجعية، تحدد الخطوط العريضة لتشخيص حالة البلاد،والأوضاع في مؤسسات الدولة،ومقاربات حول طريق الخروج من المأزق العام،قابلة للحوار والأخذ والرد، وتمت صياغتها وإخراجها بعد حوارات معمقة ،شارك فيها مختصون من قطاعات ومجالات مختلفة،وهو ما ينفي صفة الفردية والشخصنة في إعداد التقرير،وقد شارك كاتب هذه السطور في احد جلسات الحوار، وكان لافتا ان مندوب الوزارة المعنية بجلسة الحوار، الذي حضر اللقاء ،وبدلا من ان يقوم بتسجيل ملاحظات المشاركين، كان همه الرد على أية ملاحظة تطرح، متخندقا رافضا الأفكار التي طرحها المشاركون حول جوانب قصور وزارته ،إلا ما يمكن أن يفهم منه مديحا للوزارة التي يمثل، وهو ما لم يتم طرحه.
مؤكد أن تقريرا بحجم تقرير حالة البلاد وما تضمنه في وضع اليد على الجرح، يتطلب تشكيل لجان من قبل الجهات المعنية به،والتي قيم أداءها، ليس للرد عليه والتركيز على رفض ما ورد فيه جملة وتفصيلا،بحجة انه يستهدف تلك جهة او مؤسسة بعينها، بل لبحث ما ورد فيه والشروع في مناقشة ملاحظاته التي شملت الجميع، بهدف معالجة جوانب الخلل، خاصة ان التقرير لم يصدر عن منظمة دولية ، من المنظمات التي تستهدف الأردن، ولا من مؤسسة محلية تتلقى تمويلا مشبوها من الخارج.