يزورنا المطر اليوم ونحن نودع هذا العام ، كان عاما صعبا وموجعا على الأردنيين ، يهطل المطر على البلاد ، يهطل على صدى صوت الشباب الغاضب في الدوّار الرابع ، فقط في بلادنا المطر بلا ثمن ، لكنه موجع أيضا ، جاء مبكرا هذه السنة وجرف بسيله الغاضب أرواح الأردنيين ، لا نخاف ولا نفرّ من قدر الله ومن كرمه أيضا لكن نحزن ونغضب أن لا يدان مسؤول بسبب تقصيره أو فساده ، فالمسؤولية فقط في بلادنا منصب وإمتيازات وإن أخطأت فغادر بهدوء وبتقاعد مدى الحياة .
هل تحتاج حالة البلاد إلى ٧٠٠ خبير لنعرف ممن نشكو ، هل يحتاج الموجوع إلى دراسة علمية لنعرف وجعه ، هل تحتاج شوارعنا إلى خريجي هارفرد وكارنجي وورشات في الفنادق لنعرف مدى الإهمال والتقصير ، هل يحتاج نظام النقل العام المهترئ إلى إستبانات وتحليل إحصائي لنعرف حجم الفساد والبطئ وبهدلة الناس .
جميل أن يفاجئنا المجلس الإقتصادي بتقرير "حالة البلاد" ، ولكن هل نحتاج لتشخيص المشخص ، هل الذين صنعوا تعب البلاد من النخب التي تداورت على الكراسي وباعونا مشاريع الوهم ، وإستثمار الفشل ، أن يقدّموا لنا وصفات العلاج والدواء وهم الداء .
حالة البلاد تختصرها قصة عائلة أردنية تستنجد بالدفاع المدني ولم تذق الطعام منذ أيام ، هذه العائلة والكثير منها لا تحتاج إلى وهم " المشاريع الكبرى " ولا تريد أن تفهم " مشروع النهضة " ولا تعرف " مقدمة ابن خلدون ورسائل منيف الرزاز " ، و"حقها تعرف " أين ذهبت مليارات المديونية وخطط الوزارات والهيئات المستقلة ومنظمات "الان جي اوز" والتي لم تسد رمق عائلة تنام جائعة .
حالة البلاد نقولها نحن أبناء هذا التراب، الرعيان والعسكر والفلاحين والفرسان ، الذين لا نستشار ولا يليق بهم سؤالنا ، نقولها أنها متعبة بلا دراسات أو تحليلات ، نقولها ونحن نحب بلادنا ونبكي عليها مخافة أن تضيع ، نقولها والمطر ينزل ويغسل بيوت الفقراء وقبور الشهداء ودموع الأمهات الغارمات في السجون .
مرة أخرى نقولها كما قال صديقي ذات مرة :" نحن حزب وصفي وناهض وحابس وفراس العجلوني وموفق السلطي ومنصور كريشان ومعاذ الكساسبة وراشد الزيود وعرار وتيسير السبول وحبيب الزيودي ، نحن من حزب مثقال الفايز وحامد الشراري ، نحن من حزب ماجد العدوان وراشد الخزاعي وعودة أبو تايه وصايل الشهوان وإبن قلاّب، نعرف ثعلب الدروع وحنيش الجيش ، ونعدّ شهداءنا من الروح إلى الروح ، من الكرامة إلى اللطرون، نعرف خّو جيداً ونطرب على دبيك العسكر فيها وعليها وعلى العدا، نفهم الفرق جيداً بين " عجلون " و " عبدون "و " السياسة " و التسييس، نميّز بين التنمية وبيع الوهم ، نحن أبناء الحراثين ،ونعرف الأردن من مطلع الأنباط إلى اليوم .. سنأتي ذات يوم كاليقين في قلب لا يملؤه الشك .. لنضيء بلادنا .