المهمة التي تصدى لها المجلس الاقتصادي الاجتماعي والتقرير الذي صدر عنه كان أهم الأحداث التي أشغلت الرأي العام الأردني والمتابعين خلال الأسبوع الماضي. في التقرير الكثير من المعلومات والمؤشرات والآراء التي تساعد على تشكيل صورة كلية عن كيف تفكر المؤسسات؟ وكيف يدار الشأن العام؟ وتوصيف موجز لجوانب القوة وأوجه الضعف في التخطيط والتنظيم والإدارة. ما إن خرج التقرير للعلن حتى تناوله المهتمون بالنقد والتقييم. البعض أشاد بمحتوى ومنهجية واستنتاجات التقرير والبعض الآخر لم يعجبه التقرير ولا ما ذهب إليه.
أيا كانت الآراء والتعليقات والأحكام فمن الصعب تجاهل انه حدث مهم له أهمية كبرى في ملء الفراغ المعرفي حول السياسات والتشريعات والبرامج التي يجري الحديث عنها وما تقوم به السلطات والمؤسسات والقطاعات ودرجة التنسيق والانسجام والنجاح في الوصول إلى الاهداف المرسومة. حتى اللحظة لا يوجد تفسير منطقي ومقنع لحجم التباين بين الاقوال والافعال أو بين السياسات وتطبيقها على الأرض أو حتى ما يقوله الناس وما يقومون به. الشواهد على حالة التناقض كثيرة.
في بلادنا اليوم يمكن قول أي شيء وتجد من يصدقه، ويمكن العودة عما قلت وتجد الجميع يوافقون على ذلك. الموضوعية شبه غائبة وتوجد اصطفافات على ارضيات مختلفة. في الفضاء السياسي والاداري تجد اشخاصا يعارضون مواقفهم بعد ان تتغير مواقعهم، فمن غير المستبعد ان تجد الموالي معارضا أو ان يتحول الناقد إلى موال بين ليلة وضحاها.
التناقض في المواقف والتعارض بين الخطاب الذي يتبناه الاشخاص وافعالهم سبب رئيس ومهم في ضعف وتلاشي ثقة الشارع بمن يحلون في المواقع العامة ويشغلون مفاصل صناعة القرار. في مختلف الأوساط توجد حالة من التداخل بين المسايرة والمناكفة والشدة واللين والولاء والمعارضة وكثرة الفرص وقلتها.
الجهود التي قام بها المجلس الاقتصادي الاجتماعي لتشخيص حالة البلاد تمرين مهم ومفصلي للتعرف على الواقع الأردني برمته. العمل الذي تقوم به المؤسسات المختلفة بحاجة إلى توثيق ومراجعة وتقييم وتأطير، فمن غير المعقول ان تعمل المؤسسات بمعزل عن بعضها البعض ودون وجود أهداف استراتيجية عامة توجه التشريعات والبرامج والمشاريع.
في الأردن والخارج لدى الأردنيين فضول كبير لمعرفة الخطط التي تعمل بموجبها المؤسسات في ميادين السياسة والاقتصاد والتعليم والصحة والامن والعمل والاصلاح والنقل والزراعة والصناعة وعشرات القطاعات والميادين الأخرى. ولديهم الكثير من الاسئلة حول سبب تأخر تنفيذ المشاريع كما حصل في الباص السريع والقطار الخفيف، وإخفاق المبادرات وتعثر الإصلاح. وفي حالات أخرى تبدأ بعض المشروعات دون معرفة وتهيئة المجتمع المحلي ويفاجأ الناس بانتهاء أو اختفاء المشروعات أو الخطط كما حدث مع فكرة العاصمة الجديدة أو المناطق التنموية والأبراج وغيرها.
التعريف بحالة البلاد إنجاز مهم وخطوة على طريق طويل نحو اعتماد منهجية موضوعية للتخطيط والتقييم، وهو مناسبة مهمة للحوار البيني الهادف إلى انتقال المؤسسات من أسلوب المحاولة والخطأ والتستر وراء الخطب والبيانات إلى العمل الاستراتيجي الشفاف المستقل عن الأهواء الشخصية لصناع القرار.
من الطبيعي ان يخضع التقرير للنقد والتقييم لأغراض التطوير وتجويد المحتوى، لكن ذلك لا يقلل من اهمية الجهد وانعكاساته على اساليب العمل ومستويات الانجاز وآليات التقويم التي تتبعها الأجهزة والمؤسسات الرقابية. في التقرير وجبات دسمة من الأسئلة التي ينبغي أن تتلقفها الجامعات واللجان النيابية والمؤسسات الرقابية والإعلام والحكومة. (الغد)