دَوْر المثقفين في الأزمــات
سليمان الطعاني
27-12-2018 11:45 AM
هل اختفى المثقفون الكبار الذين يمكن محاكاتهم والاستفادة من فكرهم والتتلمذ على أيديهم، وبات حضورهم مستعصياً في القضايا العامة والأزمات التي تهم مجتمعهم؟ هل انمحق المفكرون الذين يمكن أن يفرضوا أنفسهم ويشكلوا مدرسة تستطيع اتخاذ مواقف صريحة وواضحة تجاه مختلف انواع الإشاعات والتضليل الاعلامي وغيرها من الازمات التي يعاني منها المجتمع في وقتها وحينها؟
أسئلة باتت مشروعة في خضم ما نشهده من أزمات مربكة ترنو معها عيون المجتمع الى من يثقون به من الرموز الثقافية الواعية المؤثرة في توجيه الآخرين دون ضجيج وإرباك، الذين يحسنون توظيف الأشياء ويؤدون دوراً توعوياً يسهم في توضيح حقيقة الأزمة وما يترتب عليها وكيفية الاستعداد لها، ومواجهتها أو التأقلم معها، الذين لا يتخذون دوراً حيادياً في الأزمات خصوصاً إذا استهدفت الوطن بأي صورةٍ كانت، الذين يحسنون إدارة ذاتهم أولاً ليسهموا في اخراج المجتمع من نفق الأزمة وهو أكثر وعياً بالمرحلة التي يعيشها وأكثر قدرة على تحويل الازمات الى فرص.
المثقفون الحقيقيون رموز لهم جماهيرهم، ينوّرون المجتمع ولا يظللونه، هكذا هم مواقفهم واضحة يدركها العام والخاص يدركون أن مواقفهم الأخلاقية خلال الأزمات قد تعرضهم للنقد واللوم من مخالفيهم الذين يجنحون للمهاترات غير النزيهة، لكنها ضريبة يدفعها المثقفون في أي مجتمع خلال رحلة النمو والتغيير التي يسعون لها، ويكفيهم شرفاً أنهم يقودون عجلة الوعي في المجتمع.
المثقفون الحقيقيون يتميزون بسعة الأفق وبُعد النظر، ويتحلّون بالأناة والتأمل ودراسة الواقع موصولاً بعبر الماضي واحتياطات المستقبل، في كل زمن هم فاعلون في مجتمعهم بالنقد والتنوير وحسن تدبير المعرفة واشاعتها بين الناس ملتحمون وملتزمون بقضايا مجتمعهم، ليسوا مهرجين وخبراء فقط في مجالات معينة كالأدب والفن والفلسفة والتاريخ فحسب، بل أيضا هداة ينطقون بصيغ مختلفة، ومواقف وحلول في مسائل عامة، سياسية كانت واجتماعية تخدم مجتمعاتهم، وهذا ما جعل بعضهم متميّزين ورموزا عالمية من خلال القضايا التي دافعوا عنها، وكرّسوا حياتهم من أجلها.
الوطن قضية ساخنة تمسنا جميعاً، والصمت المريب من قبل المثقفين والمفكرين في حال تعرض الوطن للإشاعات المرجفة والتضليل بدعوى عدم الرغبة في الولوج في السياسة أو غير ذلك ليس من الوطنية في شيء، فالوطن يعني كياناً يضمنا جميعاً، وكما ننافح عن سمعة بيوتنا ننافح عنه.