يصدر تقرير حالة البلاد عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي، محملاً بكثير من الجرأة والموضوعية، في لافتة وطنية مهمة، ليضاف إلى تقرير ديوان المحاسبة الذي هو ضبط وقائع الإدارة العامة من حيث التجاوزات، والتي شكلت عند إعلانها موسماً وطنياً وفرصة للحكومة لتثبت صدقيتها في محاربة الفساد، وقد استجاب الرئيس د. عمر الرزاز للكثير مما جاء في التقرير وفعّل مبدأ الماحسبة، لكن الأمر يحتاج إلى تطهير المواقع من الفاسدين وليس فقط دفعهم ما نهبوه.
أما تقرير «حالة البلاد»، فهو تقرير رأي وخبراء، يصدر بكل جرأة، في ظل مشهد وطني مأزوم فيعلن عن جملة ازمات، ويحسب هذا العمل المستقل والعلمي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، وهو أمر نادر الحدوث، ولم يحدث من قبل في المجلس الذي يبدو أن رئيسه د. مصطفى حمارنه نقل إليه نهجه العلمي في مركز الدراسات الاسترتيجية، والذي كان خلية عمل حين تولاه وأسس نهجه المستقل.
المهم أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي، يقرر دخول معترك الجدل الوطني، بعيداً عن الهبات والفزعات، وانما بشكل علمي دون أن يتهم أحد، بل إنه يعاين حقبة كاملة بنخبها وسياساتها وقراراتها واسلوبها، وبنجاحها وفشلها.
لا يسع الدكتور حمارنه المتهم أنه عراب حكومة الرزاز أن يحمل قميص براءته عن أخطاء الحكومة ويدور به على الناس، لكن علمّيته هي التي تنتصر مهما اختلفنا معه، وهو في الصورة العامة لا يُرضي كثيرين، وبنفس المقدار هو لا يسعى إلى الالتفاف على مبادئه العلمية، بل يسعى إلى العمل الممنهج، وهو كما كثيرين غير راضٍ عما يجري في البلاد.
مصطلح حالة البلاد، ليس مقتبساً من تجارب الأمريكان، بل ورد المصطلح في الوثائق الأردنية وصحافة زمن الانتداب، وكان للبريطانيين تقارير إدارية غاية في الدقة تصف مجريات الحال العامة في شرق الأردن.
قال التقرير بأن «البلاد الاردنية» ومصطلح «البلاد الأردنية» وراد في وثيقة استقلال الأردن، تعيش في ازمة مركبة ومتعددة الاوجه ساهم الجميع في تعميقها من مسؤولين ومثقفين وقوى سياسية وبرلمانية واقتصادية واعلامية.
وإلى جانب مسؤولية الجميع في انتاج الأزمة اقرّ التقرير بالتراجع والضعف في مؤسسات الدولة وغياب الثقة وتعثر محاولات الاصلاح بسبب المحاصصة وتوزيع المكتسبات والمناصب على اسس جهوية وفرعية وبان مفاهيم الدولة القانون والعدالة ومعايير الكفاءة والرقابة والمساءلة غابت.
ليس فيما ما يكتب عن الأردن خارجياً اختلاف عما صدر في التقرير، فكل الدراسات كانت تصف الإصلاح الاردني بأنه وئيد، وقالت التقارير بتراجع الحريات وشيوع الفساد، لكن تلك التقارير كانت تهمة بأنها اجنبية، واليوم يأتي التشخيص وطنيا ليلح بضرروة المراجعة والبدء بالعلاج سواء اتفقنا مع المجلس الاقتصادي الاجتماعي ام اختلفنا، وسواء قبلنا بنهج وجرأة رئيسه أم لا، فقد غير في مهام المجلس وصوب فيه الكثير وصنع فريقا متخصصا من الخبراء، ويجب النظر بايجابية كبيرة لهذا العمل.
الدستور