الكارثة الإنسانية الَّتِي أوْدَت بحياة عِشْرِينَ مُهاجِرًا قبالة السواحل الجزائرية، بعْد حريق شب فِي سفينتهم، يثبت لَنَا أكثر أن بَعْض المواطنين العرب لَمْ يعودوا يؤمنون بأن أوطانهم قادرة عَلَى تحقيق أحلامهم، أوْ إعطائهم الحد الأدنى من مُسْتَوَى الْحَياة اللائقة بِهِم، وأنهم رغم مَخَاطِر البحر، والإمكانية البسيطة جدًا للنَّجَاة والوُصُولِ إلى شواطئ الحلم عَلَى سَوَاحِل أوروبا، فما زالوا يُحاوِلُون.
ربَّمَا لَمْ يَكُنْ العرب هم الوَحيدونَ الَّذِينَ يختارهم المَوْت قبل الوُصُوْل إلى ما يَحْلُمُونَ إليه فِي أرَض الأحلام الأوروبية، وَمَع ذلِكَ فإن نسبة مِنْهُم تفعل ذلِكَ، وَأخْرَى تنتظر الفُرْصَة لتقوم بِذَلِكَ، وهَذَا يَجِبُ أن يُعْطِي أصحاب القرار فِي الوطن العربي إشارات تظهر أن الأمور وصلت إلى حدود خطرة، وأنه لا بُدَّ من مَشْروع يغير الأوضاع، وَيُعْطِي الأمل لشباب الأمة، كَيْ يؤمنوا بأوْطانِهِم، ولا تعود الهجرة هِيَ الهاجس الأكبر المسيطر عَلَيْهِم.
تصل نسبة البطالة فِي الوطن العربي إلى ثَلاثَة أضعاف المتوسط العالمي، وإذا نظرنا إلى أكثر خمس دول عَرَبِيَّة تُعَانِي من نسبة بطالة عالية بَيْنَ الشباب نجد أنها حسب بَعْض المصادر: (عُمان 17.5%، الأرْدُنْ 18%، ليبيا 19.2%، فِلِسْطِين 29%، اليَمَن 60%)، وتعد البطالة أحد أهم الأسباب الرئيسة لحلم الهجرة، فمعظم الدُّوَل العَرَبية لَمْ تعد قادرة عَلَى توفير فرص عمل لشبابها، خاصة من حملة المؤهلات الجامعية، وَلَمْ تَسْتَطِعْ هَذِهِ الدُّوَل ربط مخرجات التعليم بحاجة سوق العَمَل، إضافة إلى أن نسبة النمو الاقتصادي أقل من معدل دُخُول الشباب إلى سوق العَمَل، فإذا أضفنا إليْهَا سوء الإدارة، والفساد، والمحسوبية، وفشل جهود التنمية، وانسداد أفق الإصلاح السياسي، وغياب الديمقراطية، فإننا سنصل إلى حقائق صادمة، فتقل لَدَيْنا فرص التفاؤل بالمستقبل.
لَنْ نصدم لَوْ أجريت دِرَاسَات حديثة بَيْنَ الشباب، وَتَوَصَلَت إلى أن الغالبية العظمى منهم يَحْلُمُونَ بالهجرة إلى الغرب، فَهذا الشباب تسلح بالعلم، وتخرج من الجامِعات، وتَابع وَسَائل التواصل الاجتماعي، ورأى كَيْفَ يتقدم العالم ويتطور، وَفِي الوَقْت نَفْسه يرى التقهقر والتراجع فِي بلده، فتنعدم فِيه أية دوافع للبقاء.
ترى.. هَلْ ستعي الحكومات العَرَبية أننا وصلنا مرحلة الخطر الشَّديد، وأن الفُرْصَة ما زالت متاحة أمامنا كَيْ نتطور، ونتقدم، ونحمي شبابنا من أن يكونوا طعامًا لأسْمَاك البحر الجائعة الَّتِي تلتهمهم، وتأكل أحلامهم.
الـمُسْتَقْبل مليء بِالفُرَصِ الَّتِي تنتظر من يقتنصها، فَهَلْ نَحْنُ معتبرون؟
Mrajaby1971@gmail.com