القرارات الأخيرة والمزيد من فقدان الثقة
عايد الخزاعلة
26-07-2009 01:48 PM
فتحت قرارات هيئة الأوراق المالية الأخيرة بخصوص حظر التداول لمجموعة من المستثمرين الباب على مصراعيه لمجموعة كبيرة وغير منتهية من الاحتمالات والتي قد تؤثر سلبا على المستثمرين الحاليين والمحتملين وأول هذه الاحتمالات هو المزيد من فقدان الثقة في ادارة الاقتصاد الوطني بسبب التخوف من قرارات جائرة مثيلة ففقدان الثقة من أخطر معاول الهدم للاقتصاد فالأسواق المالية مثلا تنتعش قليلا عندما تتعزز الثقة ويسودها التفاؤل بسبب بعض الاجراءات المالية والنقدية المحفزة ولكنها تنتكس بعمق عندما تتزعزع الثقة بسبب بعض الاجراءات السلبية ولذلك فان هذه القرارات المالية النقدية والادارية بحاجة الى دراسة معمقة للابعاد والاثار المحتملة, فالاقتصاد الاردني كبر حجمه بعد دخول الأموال العربية اثر النمو في عائدات النفط وتحويلات المغتربين ودخول الاستثمارات العراقية الكبيرة على شكل استثمارات مستقرة ومستوطنة بسبب عوامل كثيرة من أهمها الاستقرار الاقتصادي وحماية أموال المستثمرين بشكل كبير الامر الذي أدى الى زرع الثقة باقتصاد الاردن الصغير وحوله الى اقتصاد كبيرمستقطب ومع شح عائدات النفط وتراجع حوالات المغتربين كان لا بد من تعزيز استثمارات العرب عامة والعراقيين خاصة بشكل يحافظ على وتيرة نمو متسارعة ذات أثر ايجابي على التنمية الاقتصادية دون أن تؤثر سلبا على استقرار الاسواق المالية والنقدية .
ان السماح للمستثمرين من كافة الدول بالتداول في السوق المالي كان وما يزال نقطة جذب ساهمت بتوسيع قاعدة رأس المال حتى أن اكبر الاقتصادات العربية قد سمحت لرأس المال العربي والأجنبي بالدخول لتوسيع قاعدة رأس المال فما بالنا بالاقتصادات الصغيرة التي تحتاج الى محفزات كثيرة لجذب الاموال العربية والأجنبية بكافة الوسائل والاجراءات. اننا قد نعمل عاما كاملا لتشجيع رؤوس الأموال لدخول السوق الاردني ولكننا نحتاج الى قرار متسرع واحد لنهدم ما بنيناه ...
لا نريد للمستثمرين أن يفقدوا ثقتهم بعدالة الادارة الاقتصادية العامة ولكن المطلوب هو دراسة القرارات بشكل يؤدي الى تحقيق المصالح لجميع الأطراف فالقرارات الأخيرة هي بمثابة ابر المورفين فهي قد تؤجل الألم ولكنها لا تزيله.
كان لا بد لصانع القرار ان يكون على مسافة واحدة من جميع فئات المستثمرين فلا يجوز أن يحابي القرار مستثمرا من بلد بعينه على حساب مسثمر من بلد اخر.
أما البعد الاخر فهو ضرورة فهم اتجاهات وسلوك المستثمرين العراقيين فهم مغامرون ويمتازون بالجرأة في اتخاذ القرار الاقتصادي وبما أن السوق هو في اغلبه سوق مضاربة فلا عجب ان نرى جرأة متناهية في الشراء والبيع الأمر الذي قد يؤدي الى تساوي فرص الربح والخسارة لهم علما بأن سوق رأس المال الاردني تغلب عليه صفة المضاربة قصيرة الأمد حيث أن الكثير من المتعاملين الأردنيين تحكمهم عقلية المضاربة بسبب أن جزءا كبيرا من أموالهم هي مقترضة من البنوك لاجال محددة وبعضها الاخر هي أموال تمويل على الهامش تحتاج اما للتغطية أو التسييل الطوعي او القسري لتغطية مراكزهم المكشوفة .
وأخيرا لماذا لا تبادر الجهات المعنية بعقد حوارات هدفها اعادة جسور الثقة وطمأنة الاردنيين والتأكيد للجميع بأننا في مركب واحد والتأكيد علي ايجاد منظومة أخلاقية للمارسات في اسواق المال للمتعاملين كافة بغض النظر عن جنسياتهم ولا بد من قيام الوسطاء الماليين بدور فاعل في هذا المجال بدلا من تشجيعهم على المضاربة المحمومة.
والظاهرة الأخرى الملفتة للانتباه هو تجييش الصحفيين واصطفافهم مع الحكومة والهيئة في حادثة القرارات الخيرة وهو أمر يثير الريبة ويدخل في باب التحريض المبرمج فلا مانع من أن يتبنى الصحفيون موقف الحكومة والهيئة ولكن يجب على الصحافة أن تكون مرأة الامة وان يكون دورها تنويريا لتمكين الحكومة من النظر الى الصورة الكلية لأي قرار وبيان سلبياته وايجابياته بدلا من أن يستمروا في التطبيل والتهليل لحزمة القرارات .
أما حديث الربا الذي يقال أن بعض رجال الأعمال يمارسونه فيحتاج الى وقفة متأنية فمتى كانت ممارسات البنوك التجارية خارج اطار الربا !! (الا من رحم ربي ) واذا صحت رواية الربا فهذا ربا فردي بينما ربا البنوك هو ربا مؤسسي يتم برعاية البنك المركزي وكلاهما محرم في جميع الشرائع السماوية.
ان أخواننا وضيوفنا العراقيين هم أهل همة عالية قدموا للاردن الكثير في السنوات العجاف ولا بد ان نبادلهم المعروف بالمعروف والاحسان بالاحسان وهم الان جزء لا يتجزء من اقتصاد الأردني المتنامي فلا يجرمننا شنأن قوم بما فعل بعضهم.