يجري الحديث، اليوم، في أروقة "صنع القرار"، بصورة مكثفة، عن ملف "توطين اللاجئين الفلسطينيين في الأردن"، لا باعتباره مسألة داخلية ذات إحداثيات وطنية، بل كـ"استحقاق" دولي وإقليمي، في سياق خطة أوباما المتوقعة قريباً!
الفكرة الرئيسة لإعادة فتح الموضوع تبدو غامضة، وفحواها أنّ الاقتراب من الحل النهائي يضع قضية اللاجئين الفلسطينيين على الطاولة، في سياق استحالة الحديث عن حق العودة، وهنالك ضغوط خارجية متوقعة على الأردن للقيام بذلك، وعلينا استباقها بتقديم "وصفتنا"، نحن، لترتيب البيت الداخلي.
المطروح، وفقاً لذلك، إدماج "الأردنيين من أصول فلسطينية" في مؤسسات الدولة، و"استكمال" الحقوق المدنية والسياسية لهم، ما يعني، من زاوية أخرى، "إعادة هيكلة" قواعد اللعبة الداخلية وتغيير بنية المشهد السياسي.
خطورة هذا الطرح أنه يحمل تناقضات وثغرات كبيرة في تعامله مع أكثر القضايا حساسية وخطورة في المعادلة الداخلية، من دون دراسة كافية وحقيقية، والسؤال المطروح هنا: هل نحن أمام "استحقاقات خارجية" أم "قراءة استباقية" رسمية للمرحلة المقبلة؟..
إذا كان هذا المسار يرتبط بالحل النهائي، فإنّ السؤال الفوري: لماذا المسارعة إلى تقديم تنازلات كبيرة لإسرائيل في ملف اللاجئين، وعلى حساب الأردن، ولماذا لا يبقى هذا الملف ضمن حزمة الحل النهائي، ويكون جزءاً من الحل لا خارجه؟! لماذا هذا التنازل المسبق السهل في أخطر الموضوعات للجانب الإسرائيلي المتعنت؟!
الجانب الأخطر من هذا الاحتمال أنه يشي بوجود "تفاهمات" غير معلنة بين الأردن والولايات المتحدة حول ملف التعويض واللاجئين، ما يثير مرة أخرى قصة "مبلغ التعويضات" الموعود للأردن مقابل تحمل موضوع اللاجئين، وربما الضفة الغربية، في ضوء الأزمة الكبيرة في السلطة الفلسطينية ومحدودية البدائل.
أمّا إذا كان طرح الموضوع في سياق القراءة الاستباقية، فإنّ المدخل الذي اختارته نخبة القرار، أي "المحاصصة السياسية"، هو بمثابة وصفة لتفجير المعادلة الداخلية و(لبننة) الأردن وتحويله إلى إثنيات وعرقيات وأقليات متنازعة.
الإصلاح السياسي لم يعد مسألة ثانوية أو هامشية، بل هو قضية مصيرية للأردن اليوم، لا يمكن القفز عنها، وهنالك ضرورة حقيقية وماسة لإعادة تجديد قواعد اللعبة الداخلية والخروج من الدائرة المقفلة، التي تجعلنا ندور حول أنفسنا، بينما المعادلة الداخلية تغرق في مشكلات عديدة تهدد الاستقرار السياسي والأمني.
كل ذلك صحيح، ومطلب حيوي تردده نخبة واسعة من "الإصلاحيين الوطنيين"، لكن الطريق إلى ذلك لا تمر عبر حل مشكلة الكيان الصهيوني، ولا الاستجابة لمطالب خارجية، ولا البحث عن "قيمة التعويض المغرية"، بل من خلال حوار وطني فعال بين نخبة من السياسيين تمتلك مصداقية ومن مدخل مختلف تماماً هو تطوير الحياة السياسية والحزبية والقيم المدنية السياسية ومفهوم المواطنة الجامعة والولاء للوطن والحفاظ على هوية الدولة، وحماية المجتمع لا تفخيخه وتفكيكه!
مشكلة الدولة اليوم ليست مع "الأردنيين من أصول فلسطينية"، بل مع الشريحة الواسعة من المجتمع، ربما تبدو مشكلتها أكبر مع شرائح أخرى. وإذا كان هنالك خلل في "العدالة" في الحقوق المدنية الكاملة، فهنالك خلل أخطر في "العدالة الاقتصادية" بعد التدهور الذي أصاب القطاع العام. وثمة معادلة تاريخية في توزيع الأدوار يجب أن تُقرأ جيّداً عند التفكير في مسار الإصلاح العام.
الإصلاح السياسي مطلب، لكن على ألا يكون "اسماً حركياً" لقذف الكرة الملتهبة إلى عمان. وإذا كانت محصلة التسوية السلمية هي تصفية القضية الفلسطينية أردنياً، فستصبح تهديداً للأمن الوطني لا مصلحة استراتيجية أردنية، وستكون بمثابة وعد بلفور 2، كما يخطط اليمين الإسرائيلي.
m.aburumman@alghad.jo
عن الغد