بغض النظر عن الدوافع التي تقف وراء حركة النقابات المهنية في عملها السياسي، وممارستها للنشاط السياسي عبر مؤسساتها ذات الصبغة المدنية، إلا أن لها الحق في ذلك. فهي تضم أعضاء من المجتمع، يتمتعون بالعلم، والمقدرة المعرفية، ويحتلون أماكن في صنع القرار الخاص والعام. ويشعر كثير منهم أن واجبه ليس محصوراً في أداء مهامه الوظيفية، بل ان عليه التزام المساهمة في حل المشكلات الجمعية للوطن، وأن يكون له رأي واضح ومعبر عنه فيها.
والسؤال القديم المثار: لماذا لا تراعي النقابات المهنية قوانينها، وتقوم بأداء المهام التي خلقت أصلاً للقيام بها، مثل تطوير المهنة، والمساهمة في تحسين أداء المجتمع اقتصاديا وثقافيا ومهنيا وتكنولوجيا، وتحسين نوعية الإنتاج السلعي والخدمي؟ ويتهمها البعض بأنها لم تقم بتطوير الإنتاجية، ورفع مستوى الإنتاج، وتنمية الصناعة والزراعة، وتوجيه الشباب نحو التخصصات المطلوبة للمجتمع.
وترد النقابات بأنها تبذل جهودا في تلك الاتجاهات، ولكن الحكومات المتعاقبة لم تفسح لها المجال. وتتهم القطاع العام والأجهزة الأمنية بتحديد دورها الفني والمهني، وليس السياسي فحسب.
وأما بالنسبة لانشغالها بالسياسة والاحتجاجات واحتضانها للعمل الحزبي وبخاصة الإخوان المسلمين والأحزاب اليسارية إنما نتج عن شل حركة الأحزاب في الأردن. وحيث أن غالبية الأحزاب لو سمح لها بالعمل بحرية فسيكون جزء مهم من عضويتها هم أعضاء في النقابات. وغياب الأحزاب هو الذي حوّل العمل الحزبي إلى مهمة نقابية. وحيث أن عدد المسجلين في مختلف النقابات المهنية يصل إلى حوالي نصف مليون شخص، فإن ثقلهم المجتمعي يجعل من عملهم السياسي ذا تأثير واضح.
ولقد قام جلالة الملك الخميس الماضي بلقاء مجالس النقابات المهنية، واستمع منهم لآرائهم في الأحوال المعيشية والسياسية للشعب الأردني. وبالمقابل أكد الملك لهم أن الإصلاح من جانبه أمر ضروري ومهم، وأنه- أي جلالته- سعى بكل ما أوتي من عزم لكي يدفع بهده العملية قدماً. ولكنه فوجئ بغياب الهمة، وتقاعس الرغبة، وثقل الحركة خاصة من قبل الحكومات.
وذكر جلالة الملك عبد الله الثاني الحضور بالأوراق النقاشية السبعة التي كتبها بالتتابع خلال الفترة 29/12/2012 وحتى 15/4/2017. وقال إنني دعوت الحكومات إلى البدء في مناقشة الأوراق لأنها نقاشية، وأن يقوموا بتطوير المبادئ الأساسية فيها ومن ثم تحويلها من الحكومات ومنظمات القطاع الخاص والمجتمع المدني إلى خطوات تشريعية وسياسات وإجراءات نترجمها إلى واقع يلمسه الناس، ويطور حياتهم. وقد حصلت ندوات كثيرة في مجلس الأعيان، ومنتدى الفكر العربي، والجامعات العامة والخاصة، وبعض الأحزاب، ولكن شيئا محسوما ملموسا لم ينتج عن تلك النقاشات، والتي لم تستفد منها الحكومات لتعمل مع مجلس الأمة من أجل التنفيذ على أرض الواقع.
ودعوني أنتصر لجلالته في هذا الإطار. فالورقة الأولى صدرت قبل سبع سنوات إلا أربعة أيام. وقد احتوت حسب ما ذكره جلالته في الورقة ذاتها “إنني سأكرس هذه الورقة للحديث حول مجموعة من الممارسات التي أؤمن أننا بحاجة إلى تطويرها وتجذيرها على امتداد رحلتنا نحو الديمقراطية ضمن نظامنا الملكي الدستوري”.
جاءت الورقة قبل الانتخابات البرلمانية للمجلس السادس عشر، وبعد سنة تقريبا من انطلاق ما سمي بالربيع العربي. ومع الأسف، فإن التقاعس جاء منا كلنا بكل أدوارنا المختلفة. ظن البعض أنها ربما كانت مبادرة لاستيعاب النتائج التي قد تتمخض عنها الاحتجاجات العارمة في الوطن العربي، أو عن تلك المظاهرات التي بدأت بعد صلوات الجمعة في ساحة مسجد المغفور له الملك عبد الله الأول المؤسس.
ولم نستفد نحن من الفرص التي وفرها جلالة الملك من خلال وفائه بوعده بكتابة المزيد من الأوراق النقاشية، والتي استمرت ما ينوف عن خمس سنوات ونصف السنة.
والضغوط التي تمارس على الأردن إما بسبب صفقة القرن، أو بسبب عدم رضا بعض الأشقاء علينا، أو بسبب تمسكنا بالوصاية الهاشمية على القدس، أو لأي أسباب أخرى تقع في معظمها على أحد أضلاع مثلثنا الأساسي، وهو الشعب والأرض ونظام الحكم الذي اخترناه وارتضيناه عقلا وقلبا. والملك بصفته القائد الأعلى ورأس الهرم يتلقى تلك الضغوط والصدمات أولاً بأول. ونحن مثلث الشعب والأرض والنظام يجب أن نبقى متماسكين، وأية خلخلة في أي ضلع ستهدد وحدتنا وكرامتنا، بل وبقاءنا. ولذلك علينا أن نتمسك وندعم النظام، الذي لا بد أن يولي الأمور لخيارنا وأكثرهم قوة، وأن يتمكن هؤلاء من إحداث الإصلاح المطلوب.
الغد