ببساطة ودون ان يرف له جفن باع ترامب أكراد شرق وشمال سورية، باعهم للأتراك الذين يتحضرون ويعلنون من أسابيع نيتهم اجتياح شرق الفرات والقضاء على قوات سوريا الديمقراطية وعمادها قوات حماية الشعب الكردي.
من المذهل ان يفعل ترامب ذلك مع أكثر حلفاء أميركا موثوقية الذين نالوا تعاطف الغرب والعالم بمقاومتهم الباسلة لداعش رجالا ونساء على خطوط الدفاع الأخيرة في كوباني، والذين كان لهم الدور الرئيس على الأرض في القتال والتضحيات لدحر داعش وتحرير مناطق شرق الفرات بدعم لوجستي وجوي من قوات التحالف، وهم القوة العسكرية الوحيدة الباقية ذات الطابع الديمقراطي والعلماني التي يمكن الاتكاء عليها لمفاوضة النظام السوري على حل سياسي وطني وديمقراطي في ظل توزع بقية المليشيات على تلاوين “جهادية” اقلها تطرفا ترتبط بتركيا وأجندتها في الشمال السوري. هذه وحدها بغض النظر عن كل ابعاد القرار في المشهد الاقليمي نذالة مطلقة يبدو أنها جزء من عقلية ترامب الجافة من أي حساسية أخلاقية.
مقابل ماذا باع ترامب لتركيا الحليف الكردي تعيس الحظ دائما؟ لا يمكن التفكير بالقرار إلا كصفقة ما على طريقة ترامب. لكن ماذا عن التوازنات الكلية في سورية والنفوذ الأميركي والهلال الشيعي وعودة داعش التي لم تنته كليا وهي عادت وأظهرت حضورا واحتلت بعض القرى التي لم تحررها مجددا قوات سوريا الديمقراطية إلا بقتال شرس وعودة الدعم الكثيف من التحالف والقوات الأميركية؟
كان ترامب قد ألمح قبل أشهر إلى الانسحاب لكن تصريحات لاحقة لوزير الدفاع أكدت بقاء القوات حتى هزيمة داعش الكاملة وانسحاب ايران والوصول لحل سياسي، ولكن يبدو أن ترامب عاد إلى قناعاته بأن النفوذ الأميركي في سورية ليس ضروريا وليس مفيدا ولا بأس أن يتركها لروسيا، وإسرائيل ستكون قادرة على ردعها عن الاقتراب لحدودها وردع حزب الله أما الاتراك فلينافسوا ما شاؤوا على مناطق شمال سورية فالتأثير عليهم احسن من خلال الضغوط الاقتصادية وقال ترامب في معرض دفاعه عن القرار أن الولايات المتحدة تستطيع الحفاظ على نفوذها بوسائل اخرى.
من الواضح أن طريقة تفكير ترامب مقطوعة الصلة كليا بالاستراتيجية والسياسية التقليدية للدول وقد ترك قراره صدمة عامة في كل الأوساط الأميركية وقادت إلى استقالة وزير دفاعه على الفور وهو سبق أن حذر بأنه سيكون من التهور الانسحاب من سورية في الفترة الحالية ولحقه بعد يومين مندوب الولايات المتحدة إلى التحالف في سورية ماكغورك الذي أبلغ وزير الدفاع جيمس ماتيس معارضته الشديدة للقرار.
إخلاء الساحة بهذه الطريقة نظر اليه المعلقون في الولايات المتحدة كإضافة جديدة لحركات ترامب الغرائبية يصعب المساجلة معه بجدية كخيار يستند إلى تقييم استراتيجي ما. بالمقابل عبر شيوخ ونواب عن سخطهم الشديد على خيانة ترامب لحلفائه وتحديدا الأكراد الذين تستعد تركيا لاستئصالهم ولم يكن يحميهم سوى الوجود الأميركي.
لا بد أن أوروبا وأطراف التحالف الدولي يفكرون كيف يمكن الاستمرار قدما بوجود شخصية كهذه على رأس القوة الأعظم صاحبة الدور الأول في كل الشؤون الدولية والإقليمية.
الغد