حِكَايَةُ اِمْرَأَةٍ أُرْدُنِيَّةٌ .. عَنْ مَدْرَسَةِ الإِبَاءِ وَالعَطَاءِ أَتَحَدَّثُ.
د.هشام المكانين العجارمة
24-12-2018 10:05 PM
لا أَكْتُبُ عَنْهَا اليَوْمَ بِرًا وَلَا صِلَةً لِرِحْمٍ وَلَا مَحَبَّةً وَإِجْلَالًا وَحَسَبَ، وَإِنَّمَا لِأَنَّهَا بَاتَتْ تُشَكِّلُ مِثَالًا لِلمَرأَةِ الأُرْدُنِيَّةُ الَّتِي تَحْمِلُ عُنْوَانًا لِلأَصَالَةِ، وَمِثَالًا فِي العَطَاء، وَقِصَّةٍ فِي التَّضْحِيَةِ، وَرِوَايَةٌ فِي الشُّمُوخِ والإباء.
فَارِسَةُ مَقَالِي اليَوْمَ لَا تَتَزَيَّنُ بِحِجَابٍ لِلأَمِيرَةِ رَغْمَ إِنَّهَا أَمِيرَةٌ بِحَدِّ ذَاتِهَا، وَإِنَّمَا تَتَزَيَّنُ بِعِصَابَتِهَا (غِطَاءُ رَأْسِهَا) لِتَضْرِبَ أَنْبَلُ صَوَّرَ الجَمَالَ، فصُورَتُهَا اليَوْمَ تَفَوَّقَ جَمَالُ المولينيزا الَّتِي يَتَحَدَّثُونَ عَنْهَا، النَّاظِرُ إِلَيْهَا يَلْمُسُ الإِحْسَاسَ بِالدِّفْءِ، فَيَعْرِفُ مَعْنَى الحَنَانِ، لَا بَلْ يكْشِف أسْرار الجَمال والعِشْق وَالوَلَه وَالهِيَام.
اِسْمُهَا لَيْسَ اِسْمًا لِعِلْمِ مُؤَنَّثٍ وَحَسَبَ، وَإِنَّمَا جُمَعٌ لِأَوْصَافٍ جَمِيلَةٍ وَخِصَالٍ فَرِيدَةٍ تُعَجِّزُ نِسَاءُ اليَوْمِ عَلَى الإِتْيَانِ بِعُشْرِهَا، فَفِي أحرف اِسْمِهَا وَرْدٍ وَصَفْصَافٍ وَأُورْكِيد وَيَاسْمِينٍ وَفُلٍّ، وَفِي خِصَالِهَا وَفَاءً وَصِدْقٌ وَإِيمَانٌ وَيَقِينٌ وفخر وَفِي مَلَامِحِهَا وَجِد وصبابة حُبّ وَأَشْوَاقُ حنينٍ وَيَنَابِيعُ عَطَاء وفيافي خَيَّر وُدَعَاء، مِثْلَهَا وَصْفٌ جَمْيلٌ وَصُدَفٌ غالٍ وَأَلْمَاسٌ نَادر وَياقوتٌ فَريْد وَفيروزٌ زاهي.
فَارِسَةُ المَقَالِ تِلْكَ المُكَافَحَةُ الصَّابِرَةُ، المُطِيعَةُ لِلهِ وَالعَابِدَةُ لَهُ، المُحِبَّةُ لِلآخَرِينَ، صَاحِبَةُ القَلْبِ الطَّيِّبِ النَّقِيِّ مِنْ الخُبْثِ وَالدَّسَائِسِ، ثَابَرَتْ، وَصَبَّرَتْ، وَصَابَرَتْ حَتَّى أَوْفَاهَا اللهُ بِعَافِيَتِهَا وَصَحَّتْهَا وَحَسَّنَ إِنْجَابَهَا.
هِي وَصْايِف الشّكْل والمَضْمُون، فبَيْنَ حَيَاةِ كِفَاحٍ وَنِضَالٍ هُنَاكَ أَمَلٌ لديها كَانَ وَلَا يَزَالُ بِاللهِ قَائِمٌ، كَيْفَ لَا وَهِيَ مَنْ نَشَأَتْ فِي بَيْتٍ لِلتَّقْوَى وَالكِفَاح وَالرُّجُولَةِ، وَالِدُهَا نِعَمٌ الرّجْل التَّقِيُّ النَّقِيُّ، وَزَوْجُهَا نِعَمٌ الرَّفِيقُ بِهَا وَالدَّاعِمُ لَهَا وَالسَّنَدُ، إِذْ لَمْ ينْكِرْ لَهَا يَوْمًا صُنْعَهَا لِمَعْرُوفٍ أَوْ وَقْفَتِهَا لِجَانِبٍ مَلْهُوفٍ، وَعَلَى وَالِدِهَا وَزَوْجِهَا رَحْمَات اللهِ وَغُفْرَانُهِ.
عَزْيزَةُ المَقَامِ تَمِيلُ (تعنقر) عِصَابَتُهَا بِأَبْنَائِهَا العِصَامِيِّينَ الحَافِظَيْنِ لَهَا مَسِيرَةُ التَّرْبِيَةِ وَالكِفَاحُ والسّمعة الطَّيِّبَةُ وَالبَارَّيْنِ بِهَا، وَهِيَ تَنْظُرُ لِتَقَدُّمِهِمْ وَلِإِنْجَازِهِمْ، وَتَدْعُو اللهَ دَوْمًا بِحِفْظِهِمْ وَرِعَايَتِهِمْ وَأَنْ يُعْلِيَ مَرَاتِبَهُمْ، وَأَنْ يُنْجِيَهُمْ "عَثَرَاتُ الزَّمَانِ" عَلَى حَدِّ وَصْفِهَا.
وصايف الطّيِب تَحْتَزِمُ اليَوْمَ بِمَنْ تَبْقَى مِنْ أُخُوَّتِهَا وَأَنْجَالِهِمْ، إِذْ كَانَ لِنَشْأَتِهَا بَيْنَ سِتَّةُ أُخُوَّةً دَوَّرَ فِي صَقْلِ شَخْصِيَّتِهَا وَبِنَاءً فِكْرَهَا وَرَجَاحَةَ قَوْلِهَا وَعَقْلِها.
وصايف العطاء بِمَسِيرَتِهَا فَاقَت رُجَّالٌ بِصَنِيعِهِمْ، وَهِيَ مَنْ تَمْتَلِكُ حَيَاءَ البَدَوِيَّةِ الَّذِي لَا يَمْنَعُهَا أَنْ تُقَابِلَ الرِّجَالَ مُرَحِّبَةً بِهِمْ وَمُلَبِّيَةً لِحَوَائِجِهِمْ، إِذْ لطَّالَمَا آمنت بِالمَثَلِ القَائِلِ: "بِنِت الرِّجَالِ مَا تَهَابُ الرِّجَالُ".
وإزاء مَوَاقِفِهَا المُشْرِفَة - وَكُلِّهَا مُشْرِف - لَأَزَلْتُ أُذَكِّرُ أَحَدَهَا، إِذْ قَالَتْ فِي يَوْمٍ كَرَبٍّ أُلِمُّ بِأَهْلِهَا حِرْصًا مِنْهَا عَلَى المُشَارِكَةِ وَعَدَمِ الاِسْتِثْنَاءِ: "اُحْسُبُونِي كَمَا أَيُّكُمْ ولَا تقْصِروْنِي".
وصايف النّخْوة فِيهَا رَائِحَةُ وَالِدِي -عَليه رَحْمة الله - وَنَظْرَتُهِ الثَّاقِبَةُ، وِصْلُهَا وِسَامٌ لَا يُدْرِكُهُ إِلَّا مَنْ يَسْعَى لَهُ إِجْلَالًا وَتَقْدِيراً، مَنْ يَمْتَلِكُ مَحَبَّتَهَا يُدْرِكُ أَنْ لِلمَحَبَّةِ عَنَاوِينُ لَا عُنْوَانَ، وَأَنَّ لِلتَّقْدِيرِ مَعَانٍ لَا مَعْنًى، وَأَنَّ لِلاِحْتِرَامِ صُوَرٌ لَا صُورَةً.
خِتَامًا.
ولِأَنَّنِي لَمْ أَعْهَدْ بِنَفْسِيَّ التَحَدَّثَ إلّا عَن مَن أُحِبُّ، وَلِأَنَّنِي عَنْ عَمَّتِي الغَالية أَتَحَدَّثُ، فَإِنَّنِي لِأَدْعُوَ اللهَ لَهَا وَلِمَثِيلَاتِهَا فِي الكِفَاحِ وَالعَطَاءِ أَنْ يُبْقِيَهُنَّ بِحِفْظِهِ وَرِعَايَتِهِ وَأَنْ يُبَارِكَ لِهُنَّ فِي أَعْمَارِهِنَّ وَرِزْقِهِنَّ وَسَائِرَ عَمَلَهُنَّ.
نِهَايَة
عُذْراً عَمَّتي إِنْ قَصَّرَتْ.