في صيف هذا العام كان الحراك واعيا وصادقا ومنظما وفعالا فحاز على احترام الجميع وتعاطف الجماهير و إعجاب العالم، وأعطى صورة جميلة عن الأردن وشعبه وقدرة القوى على الضغط والتأثير، وأكسب المشاركين ثقة استثنائية واملا جديدا في إمكانية الإصلاح والتغيير، خصوصا بعد إقالة الحكومة وسحب قانون الضريبة والمجيء بحكومة جديدة حظيت بترحيب شعبي واسع.
على خلاف ما حصل في حزيران الماضي شكلت الهتافات والشعارات التي صدرت من بعض مكونات الحراك الخميس الماضي انعطافا خطيرا في مسيرة الحراك واخراجه عن الاهداف والمنطلقات التي اكسبته التعاطف والتأييد الشعبي.
بصورة عامة يعترف الشارع الأردني والحكومة الأردنية ومؤسسات الدولة بصدق غالبية من شاركوا في الاعتصامات ومارسوا حقهم في التعبير عن مواطنتهم وحرصهم وانتمائهم إلا أن الكثير من المتابعين والمراقبين استغربوا التحول المفاجىء الذي احدثه البعض على هتافات الحراك وشعاراته وما شكله ذلك من خروج على القواعد والاعراف والقيم التي يؤمن بهاالاردنيون ويحرصون على الالتزام بها.
الهتافات التي تبناها القليل من شبان الحراك اساءت للحراك ومسيرته وافقدته الكثير من التعاطف والتقدير . في الأردن لا أحد يحب مناظر الدماء ولا شهية لدى الشارع الأردني ولا لدى الأجهزة الامنية في صدام يؤدي إلى اراقة دماء أو خسارة أرواح لا سمح الله.
ما حصل الخميس على الدوار الرابع مؤشر على مستوى اليأس الذي وصلت له بعض شرائح المجتمع ودفعت بعضهم للخروج على الثوابت التي يؤمن بها الأردنيون ويعملون على صيانتها ومراعاتها قولا وفعلا.
الشارع الأردني يعاني من شح المعلومات وضعف في مستوى التواصل الفعال مع صناع القرار. في كل مجال وميدان هناك غموض غير مبرر واسئلة تحتاج الى اجابات . من غير الممكن أن ينتظم المجتمع ويتماسك بصورة أفضل بدون تلقي رسائل قوية تطمئنه على أوضاعه ومستقبله.
لا يحتاج المرء أن يكون خبيرا في علم النفس ليكتشف مستوى الشك والاحباط واللايقين الذي يستولي على المزاج العام للشارع الأردني. الكثير من الناس يساورهم الخوف والقلق على أوضاعهم الراهنة ومستقبل ابنائهم. الحالة التي دفعت بالشباب والكبار والنساء إلى التظاهر والاعتصام تمتد اليوم لتشمل النخب الفكرية والسياسية والإعلامية, في المناسبات الاجتماعية والندوات واللقاءات العابرة يتحدث الناس عن الأوضاع الاقتصادية والإدارة والخدمات وما يمكن أن تتمخض عنه المشاورات والخطط التي عكفت على اعدادها الإدارة الأميركية تحت ما اتفق على تسميته صفقة القرن.
في غالب الأحيان يفتقر الناس في حديثهم إلى معلومات وحقائق الأمر الذي يدفعهم لاستخدام بيانات وروايات مغلوطة كتلك التي تنشرها المواقع الالكترونية والمغردون على وسائل التواصل الاجتماعي.
وسط هذه الاجواء تجد الأردنيين في حالة من الصدمة والذهول . الكثير من الناس لا يستطيعون وصف مشاعرهم أو حتى معرفة ماهية الشعور الذي يتملكهم . في الوقت الذي يعبر البعض عن انزعاجهم من أداء النواب وسياسات الحكومة الجبائية يأمل الناس في حدوث انفراج يخرجهم من حالة الضيق وانسداد الافق الذي اصبح ماثلا للجميع.
العودة المفاجئة للمتهم الفار والحديث عن قانون العفو العام لم يحدثا فرقا كبيرا في مزاج الشارع . غالبية الناس يتطلعون إلى اجراءات اخرى تبرهن على عزم المؤسسات ملاحقة المتورطين في قضايا الفساد او الاجابة عن الاسئلة التي تدور في اذهان الناس حول كيفية حصول مثل هؤلاء الاشخاص على التسهيلات وعدم الافصاح عن اسماء المتعاونين معهم .
الشارع الاردني يحب وطنه ويحرص على استقرار نظامه لكنه يتطلع الى مجتمع تسوده القوانين وينعم افراده بالحرية والعدالة والفرص المتكافئة. المواطن الذي حقق أعلى مستويات التعليم والمهارة يطمح في أن تتاح له فرص المشاركة في صناعة القرار وهو لا يمانع بأن يدفع الضرائب شريطة أن تنعكس على الخدمات والتنمية ونوعية الحياة.
الغد