إن المشهد السياسي الأردني مرتبك جدًا، فأنت أمام حكومة بطعم التيار المدني تغازل التيارات المحافظة و وصف المحافظة هنا هو لمكاسب الماضي فقط، ولا يدل على أيديولوجيا أو موقف تعتنقها هذه التيارات، فالحكومة اليوم تقدم تمرير القوانين كالضربية أو الجرائم الالكترونية على تعديل ضروري بعد استقالات حادثة البحر الميت، وهذ التصرف لا يبرره سوى بحث هذه الحكومة القادمة من رحم احتاجات الرابع عن شرعية ليست تستمدها من الشارع بل من أروقة السياسية التقليدية والقوى الاقتصادية المؤثرة.
وأنت أيضًا أمام تيارات اسلامية منسحبة من الساحة، تكتفي ببعض المشاحنات السطحية مع نشطاء اليسار من الشباب، وغياب لأي معارضة منظمة ومنضبطة على تصال بالشارع وقواعده، نهايك عن معارضة رشيدة تتشارك مع الحكومة الهدف وهو خدمة الأردن وتختلف معها بالطريقة والرؤيا.
وهذا يظهر بينًا في أحداث الرابع، فهذه الاعتصامات ليس لها قيادة توجهها أو رؤوس يسهل التحاور معها، وقد يكون عزفها شدوًا أحيانًا ونشازًا أحيانًا أخرى، وقد يتسلق عليها البعض كالنقابات وبعض الشخصيات، وقد ينوء البعض بنفسه عنها، فهي تتحرك بعقل الشارع الجمعي صاحب المزاج غير المتوقع الذي لا نعرف نحن أو هو ما هي خطوته القادمة.
إذن فغياب المعارضة اليوم هو أخطر ما يواجه الحكومة في ملف الرابع تحديدًا، فناهيك عن انعدام الثقة بين الشعب والحكومة وحتى مجلس النواب، فإن الشارع الأردني لا يجد اليوم من ينطق بلسان حاله أمام الحكومة ويخاطب همومه، ولا يرى له متنفساً غير الرابع إما بالنزول إليه أو بالوقوف الداعم سلبًا مع من يعتصم هناك.
ومن زاوية أخرى قد يصح أن نختزل أحداث السنوات العشرة الماضية كمقدمات وأسباب لما حدث ويحدث في الرابع هذا العام، وقد يصح أيضًا أن نقول أن خارطة العام القادم معلقة أيضًا على أقدار الرابع بين المعتصمين والرزاز.
فالعام القادم سيكون صعبًا على الأردنيين من الناحية الإقتصادية، فالانتقادات التي تطال الموازنة الجديدة كثيرة من توقع إرادات الضرائب المتفائل جدًا، وحصة الإنفاق الرأسمالي الضئيلة و العودة إلى الاقتراض لسداد الديون القديمة أو حتى الفوائد المتركمة عليها فقط، وفوق كل هذا شبح أزمة إقتصادية وكساد عالميين يطل علينا في الربع الأخير من السنة القادمة، هذا كله يفتح باب الانفراج السياسي وإعادة بناء الثقة كمخرج أخير ووحيد للحكومة، أمام أنغلاق المخارج والحلول الاقتصادية أمامها، ويظهر هذا التوجه جلياً بالقبض على "مطيع" والتلميح المباشر وغير المباشر على الذين سيجرهم مطيع معه.
ويبقى السؤال " ماذا أعددنا لما قد سيحدث في 2019؟ "
فحصاد 2018 هو مشهد سياسي مرتبك و أولويات حكومة بعيدة عن الشارع وشرعيته واعتصامات على الرابع مستمرة ولايبدو انها ستتوقف قريباً و وضع اقتصادي لا يبشر بالخير، و حلول سياسية تأتي دومًا متأخرة على مواعيدها فتفقد بهذا الكثير من النتائج المرجوة منها، وشارع لا نعرف متى سترتفع درجة حرارة احتجاجاته.