تعددت الخلافات بين الزوجين ، وكثيرا ما كانت تتم المصالحة بعد تدخل الأقارب ، غير أن خلافا تجدد بينهما ذلك اليوم داخل غرفة النوم ، عندها أحضر الزوج هراوة وهوى بها على رأس زوجته فهشمه ، ولما تأكد من أن زوجته فارقت الحياة ، قام بتغطيتها بلحاف ، ثم خلد إلى النوم بجانبها ، وفي صباح اليوم التالي توجه إلى مركز الأمن وسلّم نفسه،.
عينة فريدة في القدرة على تجاوز هذا الحدث المهول ، والخلود إلى النوم ، وثمة ملايين من بني البشر لا يستطيعون النوم ، والقصص كثيرة ، ومنهم من يخشى النوم ، أو لا ينام ليلا خوفا من الكوابيس ، ومنهم من يتقلب ساعات على فراشه ولا تغمض عيناه إلا مع خيوط الفجر الأولى،.
لا أنام، عبارة أطلقها إحسان عبدالقدوس في رواية تحمل هذه الاسم في ستينيات القرن الماضي ولم تزل تُقرأ ختى الآن ، ولم يزل الأرقون يطلقونها ، وكثيرون يستعملون حبوبا مهدئة ليدخلوا عالم النوم الساحر ، سعيد بن يزيد بن عمرو ابن عم عمر بن الخطاب وزوج أخته ، له شأن آخر ، وقصة أخرى ، لا تشبه قصة ذلك الذي هشم رأس زوجته ، ثم نام إلى جانبها ، والعياذ بالله،.
نقرأ في مسند الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج عليكم رجل من أهل الجنة ، فاشرأبت أعناق الصحابة على من يشهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة وهو بين أظهرهم يمشي على رجليه أمامهم ، فخرج الرجل ، فجاء في اليوم الثاني والثالث ، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: يخرج عليكم رجل من أهل الجنة فخرج نفس الرجل) فتبعه عبدالله بن عمرو بن العاص يريد أن يكشف عن أعماله ، فقال: بيني وبين أبي ملاحاة (أي مخاصمة) وأردت المبيت عندك ، قال: أهلاً ، فأكرمه وبات عنده ، فلما أرخى الليل سدوله قام عبدالله بن عمرو يترقب هذا الرجل ، هل يطيل ليله بالقيام تعبداً لله؟ فما وجده قائماً ، قال: لعله في ظمأ الهواجر يصوم النهار ، وصوم النهار لا عدل له ، فلم يجد الرجل صائماً، فتعجب عبدالله بن عمرو وقال: والله ما كان بيني وبين أبي ملاحاة ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يخرج عليكم رجل من أهل الجنة ، فخرجت أنت ، فأردت أن أرى عبادتك فما رأيت شيئاً يتطلع إليه ، فقال الرجل: ما هو إلا ما رأيت ، ولكني لا أبيت ليلة وأنا أحمل لأحد في قلبي شيئاً ، فقال عبدالله بن عمرو بن العاص : هذه التي لا نقدر عليها)، هذه التي لا نقدر عليها، يقولها عبدالله بن عمرو بن العاص لعله تواضعا ، ولكنها وصفة سحرية لمن لا يستطيعون النوم بسهولة: لا أبيت ليلة وأنا أحمل لأحد في قلبي شيئاً، أهي من الصعوبة بمكان ، حتى لا نقدر عليها؟ يقول أحد الصالحين معلقا: انظروا إلى نقاء القلب وطهارته مع قلة النافلة من الصيام والصلاة ، ومع قلة الصدقة ، ومع قلة سائر العبادات غير المفروضة ، فجعله الله بذلك مقدماً على أقرانه من الصحابة ، بل يشهد له وهو حي يرزق بين أظهرهم بالجنة: لطهارة قلبه. فما أعظم طهارة القلب، وما أحوجنا إلى طهارة القلب ، ونبذ الأحقاد والغل والضغائن ، وما أعظم الصدق والإخلاص واليقين مع الله جل وعلا،.
hilmias@gmail.com