بنيت الدول الغربية وبشكل خاص بعد الثورة الصناعية على نتاج الباحثين والمخترعين في المختبرات للمؤسسات التعليمية والبحثية, الى ان وصلت الى وضعها الحالي من تقدم علمي واقتصادي واجتماعي وعمراني، ولم يترك هؤلاء الباحثين والمخترعيين مؤسساتهم التعليمية والبحثية ويلهثوا وراء المناصب الادارية والسياسية ،على الرغم من السيرة الذاتية لكل واحد منهم من بحوث وانجازات لا تعد ولا تحصى ، ولم يقوموا بالبحوث في سبيل الترقية الاكاديمية او المناصب الادارية في مؤسساتهم بل لاجل البحث العلمي وخدمة مجتمعاتهم ودولهم ،فنحن نعلم كم سهر الباحثون والمخترعون في مختبراتهم الى ان توصلوا الى الاسلحة والاجهزة والمخترعات التي مكنت دولهم من النصر وحسم الحرب العالمية الاولى والثانية لصالحهم.
اما نحن فان الباحث مجرد ما قام ببحثين او ثلاث ،فيبدأ في نشر السيرة الذاتية لانجازاته ليحصل على وظيفة ادارية عليا او منصب سياسي وزير او عين او نائب ويصبح ناقد سياسي او كاتب اقتصادي او اعلامي وحتى المهندس والطبيب والكيميائي واكاد اجزم ان اصحاب التخصصات العلمية غدوا في مجتمعاتنا يلهثون خلف المناصب السياسية و الادارية اكثر من اصحاب التخصصات الادارية والعلوم السياسية او حتى العلوم الانسانية بشكل عام والمختبرات تركت للطلبة والذين غدوا لا يجدون من يوجههم او حتى يشجعهم على الاختراع والبحث العلمي. وغدا الهم الاكبر لعلماء امتنا كيف يني علاقات مع الصالونات السياسية والظهور الاعلامي في كل مناسبة لعل صاحب القرار يراه ويتعرف عليه ويتذكره عند تشكيل حكومي او مجلس اعيان او او او .....الخ.
والنتيجة كانت تراجع مؤسساتنا التعليمية والبحثية بسسب انشغال هذه الفئة بالمناصب والمسميات الاجتماعية والوصول الى مؤسساتنا التشريعية والادارية بسب ان من تولاها هو ليس من اختصاصة فليس من الشرط ان من كان ناجحا في المجال البحثي او التعليمي يكون ناجحا اداريا اودبلومسيا او سياسيا.
وانا اقول ان السبب وراء هذا التخلف والتراجع الاداري هوخطأً تتحمله الدولة عندما تبنت هذه السياسة مع بداية السبعينات من القرن الماضي ،وبدات تغري العلماء والباحثين بالمناصب الادارية والسياسية الى ان افرغت عقول علمائنا من مهمتهم الرئيسية في المجتمع في التعليم والبحث وحل مكانها البحث عن المنصب والنفاق الاجتماعي،ما ادى الى ضياع بوصلة الامة،واود هنا ان اورد هذه القصة المختصرة التي رواها لي استاذ دكتور في احدى الدول العربية والذي رفض استلام اي منصب اداري سواء في المؤسسة الاكاديمية او الدولةعندما كنت ادرس الدكتوراة وقال(في احدى الدول الاوروبية وهي مملكة واعتقد انها السويد اذا لم تخونني الذاكرة كان الملك من المهتمين في التاريخ والآثار ويسافر كل عام مدة شهر لممارسة هوايته العلمية او البحثية،وكان له صديق مقرب جدا عالما في التاريخ او الاثار. وعند عودة الملك من اجازته ،طلب رئيس الوزارء من العالم ان يرافقه لاستقبال الملك في المطار كونه صديقه ،فخجل العالم ووافق على طلب رئيس الوزاء واثناء الاستقبال تفاجأ الملك بوجود العالم في الاستقبال وسأله مالذي أتى بك فقال له رئيس الوزراء انا طلبت منه ذلك لعلمي انه صديقك ومقرب لك ،قال الملك نعم هو صديقي وانا اذهب له في مختبره لانه عالم وليس مطلوب منه ترك مختبره واشغال وقته في استقبالي ، اما انت فوظيفتك التي تتقاضى عليها الراتب تحتم عليك استقبالي في المطار).
وان ابن الهيثم وابن حيان والشافعي وسيبويه وغيرهم الكثير من علماء الامة لم يبحثوا عن المناصب والمسميات وكان همهم العلم وتلاميذهم .