سأل الدكتور عمر الرزاز الأحزاب السياسية في الاجتماع الذي تم في دار رئاسة الوزراء عن دور الأحزاب في المرحلة القادمة؟ وما هي الاقتراحات التي يمكن تقديمها في هذا السياق؟
يبدو أن هذا السؤال يعبر تماماً عن مشكلة حقيقية تتعلق بهذا الموضوع عند جميع الأطراف، ويعبر عن المأزق الذي نعيشه جميعا؛ على صعيد الحكومة التي تتولى إدارة شؤون الدولة أولاً، وعلى صعيد الشعب والمجتمع كله ثانياً، الذي لم يأخذ موضوع الأحزاب السياسية بجدية حتى هذه اللحظة، وما زال يتعامل معها وفق انطباعات مترسخة لديه بأن الانضمام إليها يشكل نوعاً من الخطورة والمغامرة غير المحسوبة، ويعرض المنخرطين فيها هم وأبناؤهم وأقرباؤهم إلى المساءلة، وقد تشكل الأحزاب لهم عائقاً أمام الحصول على الوظيفة أو المركز الحكومي، ويحول دون القدرة على الدخول في مؤسسات حكومية، وهناك مشكلة لدى الأحزاب نفسها من خلال منهجية التحزب وطريقة تشكيل الأحزاب وطريقة التعاطي مع الشأن السياسي.
فعلى صعيد النُخب السياسية ترى أن الذهاب إلى الأحزاب يشكل تغييراً للمعادلة السياسية الداخلية القائمة، وسوف يؤدي إلى تغيير طريقة الحصول على مقاعد وزارية، وطريقة الحصول على المواقع العليا وطريقة اتخاذ القرارات والمحاسبة والمساءلة، بمعنى أن الذهاب إلى اعتماد الحياة السياسية الحزبية سوف يؤدي حتماً إلى تغيير طريقة الفرز والاختيار النيابي، مثل كل دول العالم المتقدم الذي يعتمد مسار الأحزاب السياسية في الانتخاب وإفراز البرلمان وطريقة اختيار رئيس الحكومة وفريقه الوزاري، ولذلك فإن بعضا من النخب السياسية ليست سعيدة بالحديث عن مرحلة سياسية حزبية، وتعمل بكل ما أوتيت من قوة إلى عرقلة مجيء الأحزاب، وتأخير مقتضيات ظهورها في المشهد السياسي المحلي.
على الصعيد المجتمعي فينبغي أن يعلم الناس أن الأحزاب ليست جمعيات خيرية وليست هيئات تطوعية إغاثية لمساعدة الناس حتى يكسبوا ودهم وتأييدهم من ناحية عاطفية، وإنما هم مجموعات تشكلت حول رؤية سياسية وبرنامج سياسي، ويسعون إلى تطبيق رؤيتهم وبرنامجهم من خلال الحكومة والسلطة، ولذلك لا مجال للحكم على الأحزاب إلّا من خلال إفساح المجال لها لتطبيق برنامجها الشامل لإدارة الدولة، فليس من المعقول أن ينتخب الناس مرشحي مناطقهم ثم يأتون لمحاسبة الأحزاب وسؤالها، وبناءً على هذا الفهم الذي تتبناه كل الدول المتقدمة التي تعتمد النظام الحزبي الانتخابي فليس هناك بديل أمام المجتمع إلّا الانخراط في أحزاب سياسية برامجية تكون أدواتهم في التعبير عن آرائهم السياسية ووسيلتهم في إدارة شؤونهم وتحقيق مصالحهم المجتمعية ووصولهم لمواقع السلطة والقرار.
وعلى صعيد الأحزاب نفسها، فهي مطالبة بالانعتاق من المربعات الدينية والمذهبية والجهوية والايدولوجية، والذهاب إلى منهج التجمع على البرنامج السياسي الذي يطرح وجهة نظر متكاملة حول موضوع إدارة الدولة، وأن يشكل الحزب فريقاً قادراً على تنفيذ هذا البرنامج بكل أبعاده ومجالاته ومستوياته.
أعتقد جازماً أن المرحلة الحزبية السياسية قادمة لا محالة، فليس أمام الأردنيين خيار في الولوج إلى المستقبل إلّا من خلال الأطر السياسية البرامجية، فالانتماءات الجهوية الضيقة لا تشكل برامج سياسية وليست بديلاً للأحزاب والأطر السياسية، فالفوضى والخروج غير المنظم ليس بديلاً، لكن يمكن القول أن هناك مرحلة انتقالية يجب أن نسعى إلى توصيفها ووضع معالمها تسبق المرحلة الحزبية البرامجية.
الدستور