العفو العام، والملك عبد الله الثاني، وأنا!
باسم سكجها
21-12-2018 08:58 PM
لم نكن مجرمين، ولكنّنا كنّا مجموعة من الصحافيين نقف أمام قاض بعينه يومين في الأسبوع في قصر العدل، من جلسة إلى أخرى وعلى مدار سنتين أو أكثر، لا لسبب سوى لأنّ “الحقّ العام” المتمثّل حينها بدائرة المطبوعات والنشر ادّعت علينا بقضايا تتعلق بالرأي، وحرية التعبير.
سُجّلت ضدّي، أيامها تسع قضايا، ولا أنسى زميلنا العزيز الأستاذ حسين العموش (الدكتور الآن، ومدير عام “الدستور”) وهو يدخل إلى غرفة المحاكمة مصفّداً بالكلابيش، لابساً رداء السجن الأزرق، فالتقت عيناه بعينيّ بدمعتين، تحملان ابتسامة متبادلة ساخرة على الدنيا، وهمس في أذني الدكتور نبيل الشريف (رئيس تحرير “الدستور” حينها، والناطق الرسمي ووزير الإعلام لاحقاً) ساخراً: كان علينا ألا نعمل في الصحافة بل في قلي الفلافل وصنع الساندويشات، حتى لا نشهد مثل هذا!
في السابع من شباط العام ١٩٩٩، تسلمّ الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية، وفي الشهر التالي أصدر عفواً عاماً كان من شأنه أن تُمحى من سجلّاتنا كل تلك “الجرائم”، فنصبح في يوم جميل على خبر أنّنا لسنا مضطرين إلى المثول أمام القاضي، وكانت بداية جديدة لمرحلة جديدة.
كان من شأن القضايا التسع التي شغلت كلّ حياتي أيامها، أن تُلقيني في السجن سنوات العُمر، ولكنّني وجدت نفسي ذات صباح حُراً طليقاً كعصفور يمكنه الطيران حيثما يشاء، ولا أخفي أنّني وضعت الأمر ديناً في عنقي، فالملك عبدالله الثاني هو الذي حرّرني من قيد، وقرّرت أن أكون على عهده، فنحن أمام عهد جديد، وخرجت بعنوان عريض في صحيفتي “المسائية”: “العهد الجديد”، وهو ما صار عنواناً يتكرر على مدار سنوات لاحقة.
ولكلّ حديث مناسبة، والمناسبة اليوم أنّنا أمام قانون عفو عام، سيكون من شأنه أن يجعل الكثيرين من “السجناء المظلومين” أحراراً، وسيشعرون كما حدث معي أنّ هناك مَلكاً يَشعر معهم، وحتى هؤلاء الذين أخطأوا فسيعرفون أنّ التوبة متاحة حيث إنّ :”خير الخطّائين هم التوّابون”، والمناسبة اليوم، أيضاً، أنّنا سنحتفل بعد قليل بذكرى جلوس عبد الله الثاني على الكرسيّ المبارك بإذن الله، وله نقول بأثر رجعي: شكراً على العفو العام قبل عشرين سنة، ذلك الذي وضع حداً للظلم علينا، وبدأنا معه “العهد الجديد”، وشكراً، الآن، على هذا العفو العام الذي سيأتي بعد يومين، وسيكون معه “العهد المتجدد” إن شاء الكريم…