قال لي في تجهم وكدر : دقت ساعة الخطر , فانحبس المطر وصارت الحياة شطر وبطر , ولم يبق امامي الا أن انتحر, تعوذت بالله وعبست في وجهه وقلت له في بسر: والله ما فهمت من كلامك لا حرف ولا كلمة ولا سطر, ثم مضى إلى حيث ساقه القدر, وما لبث أن عاد بعد أن أدبر, ليحدثني قائلا وكله ضجر: لقد سئمت البشر, انهم كالبقر, لا يستحقون الحياة ليتهم في صقر, قلوبهم صارت كالحجر, تأملت كلامه, وانشغل فيه القلب وانفطر, وانزعجت لوصفهم بالبقر, واستغفرت الله لعله غفر.
قلت له : ما الأمر, غموض كلامك أدهى وأمر, ليس له طعم ولا فيه عبر, ثم نظر إليّ بخاطر قد انكسر, ثم قال : هل تعلم , لم يدخل بيتي منذ شهر, لا طعام ولا زفر, وغيري لم يعرف السهر, ولم يعرف التعب والكد والكدر, فاسد مفسد آكل لارزاق البشر, اعتلى المناصب والكراسي وقد فجر, ويعيش في نعمة وبطر, فاقد للاخلاق وللقوانين قد خرق وكسر, بالله عليك هذه حال من تحمل وصبر, قل لي إلى أين المفر.
قلت له بهزر: لا يوجد أمامك إلا التحمل او السفر, صمت ثم أمعن في القمر, ثم مال برأسه وانحدر, ثم قال : سفر بعد هذا العمر, ما هذا الكفر , قلت له : لم يبقى إذا إلا أن تدعو ربك وقت السحر, لأن الله يرزق من شكر, أمعن إليّ النظر, ومن عينيه قد تطاير الشرر، ومنهما الدمع انهمر، حتى شخص منه البصر, سألته لقد نفذ صبري وحيّرتني فما الخبر, وإذا بصاحبه يأتي من بعيد, ثم قال لي : لا تلقي له بالا انه عاطل عن العمل, ابتلاه الله بالفقر, وعليه رزقه قد قدر، ويعيش في حالة سكر, بعد أن كان صابرا بارّا بوالديه وقد شكر, ثم صار كارها للحياة والبشر, وفي دروب الرذيلة والجريمة قد انحدر, واصبح ظالما لوالديه ثم عقر.
اخرجت بعضا من المال استبقي بقاياها, ودنوت منه بخجل, فارسل اليّ نظرة حزينة مملوءة بالغيض, ثم تأوه وتنهد, وقال لي بحسرة وألم : لا اريد عطفا من احد, اريد عدلا, اريد أن اعيش في وطني, وافضل الموت على ان اعيش في غيره, لكن لا اريد أن يصبح مرتعا خصبا للفاسدين والحرامية، ولا أن تصبح فيه جيوب المواطنين حلولا اقتصادية, واهدافا ضريبية, ومشاريع الحكومات الاستثمارية, واهدافا لخططهم الاستراتيجية, والوسيلة الاسرع لسد العجز والمديونية, ثم تابع: لو عمّ الانصاف وسادت الرحمة بيننا ما تاه مثلي في فلوات الفقر من تاها, وغيري من جوع ومن ضنك العيش ما ناحا ، ومن شدة القهر ما صاحا.