عوني مطيع والإفراج عن المعتقلين .. هل يكفي لمنع حراكٍ جديد؟
خولة العرموطي
20-12-2018 03:06 AM
تقدّم أجهزة الدولة الأردنية إشارات مهمة قبل مساء (اليوم) الخميس الذي يمكن توقع المزيد من الحراك الشعبي فيه، فخلال أسبوع واحد تُثمر جهود جلالة الملك والدبلوماسية الأردنية باستلام المتهم عوني مطيع، وقبل ذلك بالإيعاز بعفو عامٍ يخفف على بعض المواطنين، وبالامس كنا أمام قرارٍ مُحترم للجهاز القضائي بتكفيل عدد من معتقلي الحراك، بالإضافة للمحاولات الحكومية الواضحة بإظهار حسن النوايا والرغبة الحقيقية في الإصلاح.
كل هذا صحيح، ولا يستطيع إنكارُه إلا أعمى، ولكن في المقابل قد لا يكفي كل ذلك ليشعر المواطن الأردني بأنه "مستفيدٌ" من أي إصلاحات أو تغييرات- باستثناء المستفيدين المتوقعين من العفو العام الذي جاء بأمرٍ ملكيّ-، كما قد لا يشعر أنه يحيا حالةً من الاستقرار وهو يتمشّى في أسواق العاصمة وبعض المحافظات ويرى الباعة يتذمرون من البضاعة التي تكسد، ومن الديون التي تُغرقهم.
حتى اللحظة ومنذ انتهى حراك حزيران الماضي لم يشعر الأردنيون أن حماية أموالهم أو ما تبقى منها، من أولويات الحكومة، رغم توجيهات جلالة الملك في السياق، وهذه الحماية بالنسبة لهم شرحها لي أردنيون في محافظات الجنوب خلال الأيام الماضية، حيث هم لا يبحثون عن "تكديس ثروات" قدرما يريدون أن يجدوا في جيوبهم ما يُشبِعهم ويؤمن لأولادهم العِلم الذي يريدونه والخدمات التي هي في الحقيقة في صُلب أعمال الحكومات في كل دول العالم.
نُدرك بالمقابل أن الحكومة الحالية ليست أفضل حالاً من سابقاتها ولا في بحبوحة عنهم، وقد لا نبالغ ان قلنا إن حكومة الدكتور عمر الرزاز تأتي في الوقت الأكثر حرجاً من حيث الشكل والمضمون، رغم أنها من الحكومات القليلة التي يدعمها جلالة الملك ويكاد ينتصر لها الشارع من خلال ضغطه باتجاه إجراءات ما كانت حكومات كثيرة قبلها تجرؤ على ان تخطو باتجاهها.
بهذا المعنى، يستحق الجهد الملكي والشارع أن تُعيد الحكومة النظر بالتعامل مع المعطيات الحالية بأكثر من مجرد وقف شراء المركبات في المؤسسات الحكومية، وأكثر طبعاً من دمجِ بعض الوزارات، والدكتور الرزاز أخبر منّا جميعاً بذلك، فالمواطن بحاجة رؤية تحرّكٍ باتجاهين: الأول يقلّل من نفقات الحكومة فيما يتعلق بالرواتب العالية وشراء الخدمات والمعدّات وغيرها، والثاني يزيد من بحبوحة العامّة بتخفيض واضحٍ ملموسٍ في الضرائب، يساعد على زيادة القدرة الشرائية للجميع بما في ذلك من قد يتضرر من الاتجاه الأول.
في حالة كالمذكورة، يمكن المراهنة ليس فقط على هدوء نسبي وهُدنة بين الشارع والحكومة، وانما أيضاً على بدء مرحلة الإنتاج التي يتحدث عنها وينظّر لها الدكتور عمر الرزاز بخبرته الكبيرة طوال الفترة الماضية، حيث دوران عجلة الاقتصاد يُغري بالضرورة بالإنتاج، وزيادة الإنتاج المحلي سيوصلنا للتصدير الذي يرى فيه الدكتور عمر "عماداً للإنتاج الحقيقي"، وهو بذلك محقّ.
الشارع منذ ثلاثة أسابيع يكرر مطالبه التي نعرفها، ولكن بصوتٍ ونبرةٍ أكثر حدّة وغضباً، وبأمانة، فمشاهد العنف التي شاهدنا بوادرها الأسبوع الماضي بين الأمن والحراكيين لا تُبشّر ولا أحد منا يرغب أن يراها تتكرر أو حتى تتطور، والبدء بتنفيذ مطالب الشارع المُحقّة والمعقولة من حيث تقليل الإنفاق الحكومي من جهة وتقليل الضرائب من أخرى، بالتزامن مع الاستمرار بالحملة على الفساد بكل مستوياته، تخدم الجسم الحكومي وتحقق خدمة كبيرة حقيقية للاقتصاد المهدد بالركود والتعثّر طالما بقي الحال على ما هو عليه.
والأهم ان كل ذلك يخفّض التكلفة السياسية والاقتصادية والأمنية لتحركات الشارع وغضبه وتوفر للحكومة بعض الوقت للعمل على السيطرة على مكامن الهدر وايقافها ووضع خطط منطقية للتطوير والتحديث في سياقات الإصلاح السياسي والاقتصادي والاداري.
لا أحد يزاود على أحد في الوطنية ولا في حب الأردن، ولكن الواجب علينا نحن المسؤولين السابقين أن نقول كلمة الحق التي نريد بها خدمة بلدنا ومليكنا، وهذا ما أراه.