خرق السقوف من الموالاة والمعارضة
ماهر ابو طير
20-12-2018 01:26 AM
اللافت للانتباه هذه الأيام، ان البعض يظن ان لا سقف محددا للموالاة او المعارضة، وان كل طرف، بإمكانه خرق السقوف وتجاوز كل المعايير دون منطقية.
في الموالاة، نجد ان هناك تيارا يؤيد الحكومات، بكل علاتها، او نقاط ضعفها، او اخطائها، فيهاجم كل من ينتقد او يعترض او يخون، وهو بهذه الطريقة، لا يضع سقفا منطقيا للموالاة، بل يتسبب بنفور عام، من هكذا نمطيات تتعامى عن ازماتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكأننا امام موالاة عمياء، لاتريد الاعتراف بالتحديات، ولا بمشاكل البلد، من باب مناكفة المعارضة، او معاندتها، وفي حالات من باب الخوف المضاعف على البلد وامنه واستقراره.
الظاهرة ذاتها، أي غياب السقوف نراها في المعارضة، فالبعض يظن ان التغطي بشعارات الوطنية وحب الأردن، اكثر من غيره، او انه الأكثر وطنية، او صدقا، او طهرا، او اخلاصا لمصالح الفقراء او المساكين، او الأكثر انحيازا لمصالح الأردن، وفقا لمعاييره هو، يسمح له بتجاوز حدوده أيضا، فيطيل لسانه على المسؤولين، ولايستثني احدا، بل ويذهب بعضهم الى تبني شعارات مثل ضرورة حرق الأردن، من اجل إعادة بنائه، او « اذا ما بتخرب ما بتعمر» او « علي وعلى اعدائي» وهذا النمط المراهق، يريد ارسال الأردن الى الجحيم بذريعة ان الصبر قد نفد، وان لا امل ولا فرصة، وان لا شيء يستحق الحياة.
هناك افراط في الحالتين، ويغيب الرشد في المشهدين، فليس من حق الموالاة هنا، ان تهدد الاخرين او تطعن في شرعية الذي ينتقد او وطنيته، او تخونه او تهدده، مثلما ليس من حق هؤلاء الادعاء انهم الاوصياء، فقط، على الأردن وأهله ومستقبله، كما ان الافراط في المعارضين، لا يجوز ان ينسيهم الحقيقة الأهم، أي ان الاردنيين لا يريدون حرق الأردن، ولا تخريبه، وان الإصلاح والدعوة له، اذ يتحولا الى مهدد للاستقرار العام، يصيرا شبحين من اشباح سوريا والعراق، مثلما ان الخط الفاصل بين المعارضة الإيجابية الموزونة المحسوبة بكل كلفها، والمخاطرة بالأردن ذاته، خط دقيق، تعامت عنه شعوب أخرى، فدفعت الثمن مضاعفا، والأدلة ماثلة بين الجميع.
لابد ان نسترد التوازن هنا، سواء في الموالاة، او المعارضة، لأننا كلنا لا نريد للاردن ان يخسر، ولا ان يلتحق بالكيانات الذبيحة سواء جرّاء الولاء المفرط الذي يتعمد التحرش بالاخرين دون وعي، او جرّاء المعارضة التي لا تضع حتى في حساباتها، سيناريوهات دخول اطراف ثالثة، للعبث بالمعادلة الداخلية لاعتبارات مختلفة، فنكون كلنا مجرد حطب في هذه الحرائق.
من المستفز جدا، ان نرى مواليا، يهدد ويخوّن ويتهم كل معارض، مثلما لا يريد الاعتراف بالفساد والفقر وسوء الإدارة وشيوع الشك، وكل العلل، مثلما من المستفز جدا، ان نرى معارضا يظن انه الوطني الوحيد، او ان من حقه جر عشرة ملايين شخص الى حيث يريد، شخصيا، وكأن هذا الشعب منحه وكالة موقعة للحديث باسمهم.
الحالتان، أي الافراط في الولاء او المعارضة، تعبران عن شطط وتجاوز، وغياب للوسطية والاعتدال والمنطق، وتعبران أيضا، عن صراع تتبدى اوجهه هذه الأيام.
الكل يقول انه يحب الأردن، والكل يقول انه يخشى على الأردن، لكن الواضح اننا نسير نحو نقطة خطيرة، عنوانها الاختلاف على الأردن، بدلا من الاختلاف لاجل الأردن.
هذا تحذير للكل لمراجعة الحسابات، خصوصا، حين يتساوى الولاء المفرط دون عقل، مع المعارضة المفرطة دون عقل، وبحيث يؤديان الدور ذاته من حيث بث الاضطراب والقلق والخوف من المستقبل، وتأجيج الصدامات، استنادا للادعاء باحتكار وكالة النطق باسم الأردن من الفريقين.
لنعد جميعا الى سقوفنا الأساسية، حتى لا نصحو وقد خسرنا كل شيء، ولحظتها لن ينفع الولاء ولا المعارضة، تبادل الاتهامات، ولا تحميل المسؤوليات.
الدستور