لقد جاء في صحيفة الدستور الغراء بتاريخ (4 كانون الأول 2018) على الصفحة (5) العنوان التالي:
((المحكمة الدستورية: الجزء الأخير من المادة (72) من قانون (الدخل) غير دستوري)).
وجاء في حكم المحكمة الذي أصدرته يوم الإثنين الموافق 4/12/2018 أن الجزء الأخير من المادة (72) يعتبر خروجاً على مبدأ المساواة دون مبرر، وحرماناً للمكلفين من حق اللجوء الى القضاء، كما هو مخالفاً لأحكام المواد (6/1) و (10/1) و (128/1) في الدستور.
وذكرت المحكمة في سياق الحكم ما يلي: (( إن ما جاء بالفقرة الأولى من المادة 128 من الدستور هو ((ثمرة تعديل دستوري وليد نقلة حضارية عام 2011، وأنها معلم يهتدى به, ويحول دون تأثير القوانين لتنظيم الحقوق والحريات أن تمس مكنوناتها الأساسية)).
التعليق على ما ورد
إن ما جلب إنتباهنا قول محكمتنا الدستورية بأن الفقرة الأولى من المادة (128) هي ثمرة تعديل دستوري وليد نقلة حضارية عام 2011.
ونتساءل هل تعديل عام 2011 هو فعلا نقلة حضارية أزالت التشوهات الموجودة في دستورنا أم أنها قد ضاعفت عدد هذه التشوهات؟
ومن هذه التشوهات:
أولا: التعارض بين المادة الثانية من الدستور والفقرة الأولى من المادة (6) منه.
ثانيا: إن ذكر كلمة (الواجبات) في الفقرة الأولى من المادة (6) من الدستور غير سليم لأن الواجب ينبع من الضمير والخلق ولا يهتم به البوليس والقاضي. إن ما ينبع من القانون هو الإلتزام ويهتم به البوليس والقاضي.
ثالثا: المادة (33) من الدستور:
أ-فهي لا تعالج التعارض والتضارب بين المعاهدة الدولية والقانون الأردني. والفضل يعود هنا لمحكمة التمييز التي كانت قد أزالت هذا التعارض من خلال إجتهادها الرائع بمناسبة أسهم الكويت الممتازة في بنك الإسكان بأن غلبت المعاهدة الدولية على القانون الوطني الأردني سواء أكان سابقاً أم لاحقاً على المعاهدة الدولية. وهنا نتساءل لماذا لم يحول هذا الإجتهاد الى نص في الدستور؟
ب-وفي حالة ما إذا كانت الحكومة المتعاقدة مع الحكومة الأردنية لم تطبق المعاهدة التي بينها وبين حكومتنا الأردنية ولم تلتزم بها؟ماهو الحل؟
ج-وإذا كان هناك تعارض بين الدستور الأردني ومعاهدة دولية كيف يجب أن تتصرف الحكومة الأردنية؟
رابعاً: الفقرة الأولى من المادة (59) من الدستور تضع النظام بجانب القانون. فماذا يعني ذلك؟
1-أولا: أنه خاضع لرقابة الدستورية كالقانون أمام المحكمة الدستورية لكن هناك قضاء إداري وقانون للقضاء الإداري يراقب مشروعية النظام ومن ضمنها مخالفته للدستور.
2-وهل يجوز أن يكون لعمل حقوقي واحد طبيعتين تارة أنه قانون وتارة أنه قرار إداري، خاضع تارة لرقابة الدستورية وتارة لرقابة المشروعية.
3-و هكذا نجد قانون القضاء الإداري مخالفاً للدستور.
4-في البلاد التي لديها إزدواجية في القضاء كفرنسا تكون مخالفة النظام للدستور من إختصاص القضاء الإداري ضمن إطار رقابة المشروعية.
5-وما دام أن النظام في مستوى القانون فأين نضع مبادئ القانون العامة التي تحكم مشروعية النظام الإداري؟ وأين نضع المعاهدة الدولية؟
6-القاضي الإداري أجرأ من القضاء الدستوري في رقابة المشروعية فالقضاء الدستوري وظيفته فقط الحفاظ على الآمرية القانونية ولا يعطي حقاً لأحد.
7-ونتساءل أيضاً هل يجوز لنظام ما أن يعطي لنفسه الأثر الرجعي ما دام أنه في مستوى القانون حسب الفقرة الثانية من المادة (93) من الدستور؟
8-ونتساءل أخيراً وليس آخراً أين يصبح تفوق القانون على النظام الذي ينفذه؟
9-وهناك مثالاً جيداً على ما ورد قوله: وهو الحكم الصادر عن محكمتنا الدستورية الذي يحمل الرقم (3) لسنة 2017 والمنشور في الجريدة الرسمية العدد (5479) بتاريخ 30 آب 2017.
وقصة هذا الحكم أنه قد صدر عن السلطة الإدارية نظاماً وأعطته الأثر الرجعي ويكلف شركة الأنواع العالمية للتسويق بإداء مبلغ (6985,32) ديناراً أردنياً بدل ضريبة مبيعات خاصة فرعية، ومبيعات عامة نسبية.
فأقامت الشركة الدعوى من خلال محامياً طعن بعدم دستورية النظام أمام محكمة الجمارك الإبتدائية التي قامت بدورها بإحالة الدعوى الى محكمة التمييز التي قررت إحالته الى المحكمة الدستورية.
فصدر الحكم عن المحكمة الدستورية، نقتطف منه الحيثيات التي تهم موضوعنا:
أولاً: إن الدستور هو صاحب السمو والعلو على ما سواه من التشريعات، أما القانون فهو تشريع بدرجة أدنى من درجة علو الدستور، كما أن النظام تشريع يحتل درجة أقل من درجة القانون.
ثانياً: إن الفقرة (2) من المادة (93) من الدستور، أبانت السبيل السوي لسريان أحكام أي قانون، وهو إصداره من جانب الملك، ثم مرور ثلاثين يوماً على نشره في الجريدة الرسمية، الا أن المشرع الدستوري استثنى من هذا السبيل السوي، حالة ورود نص خاص في نفس القانون، على أن يسري مفعوله من تاريخ آخر.
وإن هذا الإستثناء يبيح لتشريع من درجة قانون وحسب، أن يكون لسريانه مفعولاً تاريخ آخر، وهي حالة ورود نص خاص، يقضي بسريان مفعوله من تاريخ آخر، ولا يتفيأ التشريع من درجة النظام ظلال هذا الإستثناء الدستوري.
ثالثاً: إن أحكام القضاء الأردني في الماضي والحاضر، متواترة، ومجمعه على أن الدستور لا يجيز أن يكون لأحكام النظام أثراً رجعياً.
رابعاً: وحيث أن عدم الدستورية تنحصر وتنصب على عبارة (ويُعمل به إعتباراً من 21/06/2016 فقط) أي على الأثر الرجعي للنظام.
خامساً: وكان حكم المحكمة الدستورية على النحو التالي:
1-عدم دستورية العبارة الواردة في نهاية منطوق المادة (1) من نظام الضريبة....
التعليق على هذا الحكم
أولاً: لقد أقرت المحكمة الموقرة بأن النظام تشريع يحتل درجة أقل من درجة القانون، إذن لماذا هو موضوع بجانب القانون في التسلسل العمودي في الفقرة الأولى من المادة (59) من الدستور؟ اليس من الواجب أن يكون تحت القانون البرلماني حسب هذه الحيثية؟ وعندما أعطت السلطة الإدارية لنظامها الأثر الرجعي كانت ترى أنه بما أن النظام هو بجانب القانون في الفقرة الأولى من المادة (59) من الدستور فيحق له أن يعطي لنفسه الأثر الرجعي على أساس أنه قانون بحسب المعيار الموضوعي لأنه يضع قواعد عامة وغير شخصية كالقانون البرلماني، الا أن المحكمة الدستورية لم توافقها هذا الرأي.
ثانياً: أما قول المحكمة الدستورية بأن الفقرة (2) من المادة (93) من الدستور، قد استثنت حالة ورود نص خاص على أن يسري مفعوله من تاريخ آخر. وأن هذا الإستثناء يبيح لتشريع من درجة قانون وحسب، أن يكون لسريانه مفعولاً آخر. أليس النظام الذي قررت المحكمة الدستورية عدم دستوريته يجمع هذين الشرطين، فهو من درجة قانون وبه نص على أن يسري مفعوله من تاريخ آخر؟
أما قول المحكمة الدستورية (بأن هذا التشريع من درجة النظام لا يشمله هذا الإستثناء الدستوري) يجعلنا نتساءل أين هو النص في الدستور الذي يستثني النظام؟
ثالثاً: وقول المحكمة الدستورية ( بأن أحكام القضاء الأردني في الماضي والحاضر متواترة ، ومجمعه، على أن الدستور لا يجيز أن يكون لأحكام النظام أثراً رجعياً).
ونتساءل مرة أخرى أين هو النص في الدستور الذي يستثني النظام؟ كذلك لم تذكر المحكمة الدستورية أي قرار لقضاء أردني يقول بأن الدستور ينص على أنه لا يجوز أن يكون لأحكام النظام أثراً رجعياً.
وكل ما في الأمر أن مجلس الدولة الفرنسي كان منذ مطلع القرن العشرين الماضي قد تبنى (مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية) كمبدأ قانوني عام وكذلك قد تبنى المعيار الشكلي للقرار الإداري، كي يُخضع قرارات السلطة الإدارية لرقابة المشروعية حتى لا تعتدي على الحريات والحقوق المصونة بالدستور، لأن السلطة الإدارية تعمل بالقرار الإداري النافذ. وقد كانت محكمة العدل العليا الأردنية قد تبنت هذا المبدأ وطبقته في العديد من المناسبات.
وأخيراً: أين الإبداع في هذا الحكم؟ فكل ما ذكرته المحكمة الدستورية هو:
1-الفقرة (2) من المادة (93) من الدستور.
2-إجتهاد القضاء الأردني في السابق والحاضر بأن الدستور لا يجيز أن يكون لأحكام النظام أثراً رجعياً.
ونتساءل هل هذا الكلام سليم؟ مع أن أهم خاصية لمبادئ القانون العامة أنها توجد بدون نص يامحكمتنا الموقرة. لذا كان الأولى بمحكمتنا الدستورية أن تقرر عدم إختصاصها النظر في هذه القضية وأن تعيدها للقضاء الإداري ليحكم فيها.
خامساً: والقانون المؤقت فهو لا ذكر له لا في الدستور ولا في قانون القضاء الإداري، فهو غير خاضع لا لرقابة الدستورية ولا لرقابة المشروعية.
كذلك تعبير (قانون مؤقت له قوة القانون) يجعلنا نتساءل هل هناك (قوانين لها قوة القانون وقوانين ليست لها قوة القانون)؟
سادساً: والفقرة الأولى من المادة (60) من الدستور:
وهل يمكن تطبيقها من حيث الواقع العملي؟ نحن لا نعتقد ذلك. وهل يعقل أن مجلس النواب أو مجلس الأعيان يصوت على قانون اليوم ثم يراجع في اليوم التالي المحكمة الدستورية قائلاً : (إن القانون الذي صوتُ عليه أنا بالأمس مخالفاً للدستور) أي أن يقيم دعوى على نفسه؟
وهكذا ترى بأن التعديل الذي حصل عام 2011 لم يكن نقلة حضارية الى الأمام بل على العكس قد أكثر من التشوهات في دستورنا كما قد أرهق الموازنة بإنشاء مؤسستين لا لزوم لهما وهما الهيئة المستقلة للإنتخاب والمحكمة الدستورية إذ إن المجلس العالي لتفسير الدستور كان هو محكمتنا الدستورية. أما تسمية المحكمة الدستورية بالمجلس العالي لتفسير الدستور فلا يغير شيئاً من كونه محكمة دستورية. فالمحكمة الدستورية في فرنسا تدعى بالمجلس الدستوري والمحكمة الدستورية في الولايات المتحدة الأمريكية تدعى المحكمة الإتحادية العليا ومع ذلك فهما محاكم دستورية. أما العيب فقد كان في صلاحية المجلس العالي وهو:
1-أنه لا يحق مراجعته الا من قبل مجلس الوزراء أو البرلمان.
2-أن الإتصال العضوي بينه وبين محكمة التمييز ومحكمة العدل العليا كان مقطوعاً.
3-الى جانب أن المواطن لا يستطيع مراجعته من خلال محام للطعن بعدم دستورية قانون ما.
فلو أُعطي الصلاحيات التي أُعطيت للمحكمة الدستورية الحالية لما كان هناك تذمر.
إن السبب الرئيسي الدافع لكتابة هذه المقالة هو أننا قد إطلعنا على نسخة مترجمة لدستورنا للغة أجنبية، فإذا وقعت مثل هذه النسخة في يد أحد الفقهاء الأجانب فإنه لن يتأخر بالتعليق والنقد وهذا ما لا نراه لائقاً في حقنا.
سابعاً: وأخيراً: نجد المادة (3) من قانون القضاء الإداري رقم 27 لسنة 2014 تنص على إنشاء قضاء إداري من درجتين:
وما دام أننا قد هجرنا الأسلوب الإنجليزي بإلغاء محكمة العدل العليا وتبنينا النهج الفرنسي وأخذنا بازدواجية القضاء فلماذا جعلناه على درجتين بدلاً من ثلاثة درجات وحرمنا المواطن الأردني من درجة من درجات التقاضي.
إن فرنسا بلد عظيم ومهد للحضارة ولديه أياد بيضاء على الكثير من رجال الأردن، ولقد جعل قضاءه الإداري على ثلاثة درجات: محاكم إدارية أبتدائية، ومحاكم إستئنافية، ومجلس دولة فرنسي كمحكمة إستئنافية لبعض القضايا ومحكمة تمييز، إن نابليون بونابارت إمبراطور فرنسا كان قد أحدث مجلس الدولة الفرنسي كمجلس إستشاري له تطور مع الزمن وأصبح قاضياً إدارياً على درجة ثالثة، فلماذا لا يكون لدينا أيضاً مجلساً يسمى مجلس الدولة الأردني؟ وبدلاً من إلغاء محكمة العدل العليا كان بالإمكان إستبدال أسمها وجعله مجلس الدولة الأردني.
دكتوراة الدولة / فرنسا
D.E.A Droit Public