الخيط " الأخضر" من الخيط "الأصفر" وسحب الجنسية ؟
22-07-2009 04:29 PM
يصعب علي كثيرا أن أجد نفسي مقتنعا برواية وزارة الداخلية في موضوع من الموضوعات ،فأنا على صعيد شخصي وحتى لا يزاودن علي أحد لا أعرف حتى اليوم نتيجة التحقيق في أحداث الرابية التي دخلت أنا وثلاثة مصورين إلى المستشفى بعد تعرضنا لضرب قاتل لا لذنب إلا قيامنا بواجبنا الصحفي . في موضوع استبدال البطاقات الخضراء والصفراء لا يمكن إلا أن تقتنع بالرواية المتماسكة التي تقدمها وزارة الداخلية منذ العام 1988.
يسهل على الإعلامي أن ينحاز إلى الطرف الباكي أو المتباكي أحيانا ، لكن الانحياز يظل إلى الحقيقة أجدى . فالقضية الأساسية ليست استهداف الفلسطينيين في أبسط حقوقهم الدستورية والطبيعية وهي الجنسية ، جوهر الموضوع هو كيف نثبت الفلسطينيين على أرضهم وهو لا يمس إطلاقا بحقوقهم المكتسبة في الجنسية الأردنية. بعيدا عن تعسف في التطبيق يشكل سمة للبيروقراطية الأردنية حتى لو وفي وزارة السياحة, أو خطأ غير مقصود لا يخلو منه بشر، فإن كل المطلوب هو احتفاظ أبناء الضفة بهوية الاحتلال حتى يحتفظوا بالبطاقة الصفراء أي الرقم الوطني الأردني .
في سبيل الاحتفاظ بالأرض صدرت أحكام بالإعدام بحق من فرطوا بأرضهم ، وتطلب ذلك جهد قانوني واستخباري وسياسي . لكن الفلسطينيين والدولة الأردنية قصرت تاريخيا بذرائع إنسانية وسياسية في التعامل مع سكان الضفة الغربية ، وهو ما ترك الباب مفتوحا لسياسة الترانسفير الناعم بدعوى المعيشة والدارسة والعلاج وغيرها، كل هوية احتلال كانت تفقد سهوا أو قصدا عنت إخلاء وتهجير عائلة فلسطينية لصالح مستوطن معتدي .
اليوم ولات ساعة مندم علينا أن نشلخ شعرنا على كل هوية احتلال ضاعت. لا على كل رقم وطني جمد. التخلي عن هوية الاحتلال يعني ببساطة التخلي عن حق الوجود في فلسطين المحتلة 1967, ووزارة الداخلية تقوم عمليا بالضغط على أبناء الضفة من أجل الحفاظ على هويات الاحتلال والحصول على البطاقة الصفراء ، ومن يتخلى عن وجوده بالضفة لا يكافأ بأن يعطى الجنسية الأردنية ، بل يعاقب بتجميد رقمه الوطني حتى يستعيد حقه في هوية الاحتلال فإن فعل تمتع بالحقين معا . أي بطاقة صفراء مواطن أردني برقم وطني وفلسطيني ثابت على أرضه .
بالأرقام تبدو الصورة فحسب آخر أربع سنوات فإن من استعادوا الرقم الوطني وتحولوا من البطاقة الخضراء إلى الصفراء ستة وخمسون ألفا وتسعمئة وتسعة وثلاثون مقابل من جمد رقمهم الوطني وحولوا من البطاقة الصفراء إلى الخضراء ألفان وسبعة عشر فقط أي أن من " سحبت " جنسياتهم حسب التعبير الإعلامي هم 4 في المئة فقط ممن جنسوا ؛عليه يمكن القول أن 96في المئة جنسوا من أبناء الضفة الغربية !
توجد ظروف قاهرة تمنع الإنسان من تجديد هوية الاحتلال ، إلا أن الحل لا يكون بالتسليم للمحتل وإنما خوض المعركة قانونيا وسياسيا مهما كلفت . وقد تمكن كثيرون من استعادة هويات الاحتلال من خلال التقاضي أمام المحاكم الإسرائيلية وبهذه الحالة استعادوا جنسياتهم المجمدة . وعلينا أن نتذكر أن إسرائيل لم تستطع أن تواصل إبعاد مبعدي مرج الزهور وفيهم الرنتيسي والدويك وقيادات حماس . اليوم من عقد التفاوض في ملف شاليط قضية إبعاد أصحاب الأحكام الثقيلة فنحن نقول ببساطة لهم موتوا في السجن ولا تبعدوا ونحو مليون إبعدوا أنفسهم بأنفسهم لأسباب واهية !
غير الأردنيين من حملة البطاقة الخضراء تقدم لهم تسهيلات لا يحصل عليها الفلسطيني في مصر أو لبنان أو سورية وأي بلد عربي ، في مصر تمنح وثيقة سفر لمرة واحدة بمعنى يغادر ولا يعود إلى مصر ! وفي الخليج أوضاع مأساوية لأبناء قطاع غزة. وفي لبنان جحيم في كل مخيم ، هذه الأوضاع التي تستحق التركيز. وفوق ذلك فإن الصراع الأساسي هو مع المحتل ليس في سبيل هوية الاحتلال بل في سبيل حق العودة للاجئين الذين يحملون الجنسية الأردنية. وحصولهم على حق العودة ظل شرطا من شروط الوحدة التي صدر إثرها قانون الجنسية الأردني لعام 1954 ، وتوجيه المعركة إلى الأردن استغلالا للبس البطاقات وإشكالياتها هو انحراف سياسي وأخلاقي .
الغد.