تقلبات السياسة الأمريكية نحو دعم الديمقراطية في العالم العربي
د. عبد المهدي السودي
09-05-2007 03:00 AM
تميزت سياسة واشنطن نحو المنطقة العربية منذ إحداث أيلول 2001 بالتذبذب والازدواجية.
ففي البداية ارتكزت السياسة التي اتبعتها إدارة الرئيس بوش على التوفيق بين مسارين
متناقضين لتحقيق المصالح الأمريكية في المنطقة العربية وهما البترول وامن إسرائيل. تمثل
المسار الأول باستخدام القوة والضربات الاستباقية واحتلال كل من أفغانستان والعراق
والإطاحة بالأنظمة الحاكمة فيهما. وقد استخدمت الإدارة الجمهورية مقولة الديمقراطية
كخطاب تبريري في سياق حربها على الإرهاب وربطت بين حربها على الإرهاب ومواجهة الحركات
الإسلامية من جهة وبين نشر الحريات وتشجيع الديمقراطية في العديد من الدول العربية.
وانطلقت هذه السياسة من قناعة الإدارة الأمريكية بوجود علاقة وثيقة بين الإرهاب وغياب
الحرية والديمقراطية في الدول العربية والإسلامية ولذلك أرادوا أن يضربوا عصفورين بحجر
واحد أي الإطاحة بالأنظمة المعادية لها ومساعدة الأنظمة الصديقة على التحول للديمقراطية
على اعتبار أن الديمقراطية هي نقيض للتطرف الديني والإرهاب.
وبعد أكثر من ثلاث سنوات من احتلال أمريكا للعراق وصرف ملايين الدولارات لتمويل الحرب
على الإرهاب ودعم الديمقراطية في الوطن العربي كانت النتيجة الرئيسية خسارة سيطرة
الجمهوريين على الكونجرس وخسارة موجعة عسكريا على جبهات القتال في أفغانستان والعراق
وعلى الإرهاب حيث لا تزال أمريكا تواجه مقاومة عسكرية شرسة في كل من أفغانستان والعراق
وهي على شفا هزيمة عسكرية تاريخية سوف يكون لها أثار وتداعيات اقتصادية وعسكرية خطيرة
على منطقة الشرق الأوسط قد تدخله في صراعات إقليمية نووية. وما نجاح حماس في فلسطين إلا
صفعة قوية للأفكار الأمريكية التي ربطت خطأ بين الإرهاب وغياب الديمقراطية حيث تكمن
أسباب الإرهاب في انحياز السياسة الأمريكية لإسرائيل على حساب القضية الفلسطينية. كما
تراجع العديد من الدول العربية عن بعض المكاسب الديمقراطية السابقة في مجال الحريات
العامة وحقوق الإنسان واهم من ذلك فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية وصعود نجم حزب
الله ونجاحه في التصدي للحملة العسكرية الإسرائيلية وتحقيق الإخوان المسلمين في مصر
والأردن مزيدا من الشعبية وبخاصة على صعيد الانتخابات البرلمانية. والأسوأ من ذلك ظهور
بوادر انهيار الدولة العراقية واللبنانية والصعود المتنامي لقوى الطائفية والعنف في هذه
البلدان وتعزيز قبضة الإدارة السلطوية في جميع الدول العربية.
لقد كانت كل هذه الأسباب وراء تراجع إدارة الرئيس بوش عن سياسة دعم الديمقراطية والعودة
إلى السياسة التقليدية للولايات المتحدة الأمريكية التي تقوم على دعم الأنظمة العربية
باعتبارها خير وسيلة لتحقيق المصالح الأمريكية والإسرائيلية وتحويل الأنظار عن هذا
الفشل بالترويج إلى ظهور مخاطر جديدة تتمثل بالقدرات النووية الإيرانية. إن التغير في
الإستراتيجية الأمريكية لم يقتصر على تغير الخطاب العلني للإدارة الأميركية، بل اتسع
ليشمل التنازل العملي عن دعم مشروع الديمقراطية فكرا وتمويلا حيث اسقط هذا الموضوع من
جميع الخطابات الرئاسية الأمريكية وجمدت مصادر التمويل التي كانت مخصصة لترويج مشاريع
تطوير المجتمع المدني والحريات العامة وكل ما يتعلق بالديمقراطية.
البريد الالكتروني
alsoudis@yahoo.com