مكانة الحريات العامة في عهد المملكة الرابعة
د. حازم قشوع
19-12-2018 12:40 AM
تعتبر الحريات العامة واحدة من أبرز السمات التى تميز المجتمعات المتقدمة بطابع الدور ومضمون الرسالة، فالمجتمعات القادرة على توظيف قدرتها في مسيرة البناء والتنمية هي المجتمعات الفتية بنشاطها والحية بحراكها، لما يميز قدرتها على التعاطي الايجابي في تعظيم تسارع دوران الحركة من جميع الروافد ومن دعم وتيرة الحراك البناء فى جميع سبل العطاء، وذلك من أجل الارتقاء بمناخات الحرية لأجل الابداع في البحث عن الحلول للقضايا العامة ضمن المناهج الموضوعية والأطر الدستورية.
فالدولة التي تحافظ على حرية التعبير ومكانة الرأي الآخر فيها، هي الدولة الواثقة من قدرتها على، «ربط الكل المعرفي في الاطار الواحد» مهما تباينت الآراء واختلفت التوجهات، فإن قوة الدولة تقاس بمدى قدرتها على استيعاب مناخات الحرية وترتقي بواقع مقدرتها على توظيف الجميع في خدمة الصالح العام فى اطار القانون وسيادته، الأمر الذي ينسجم مع القاعدة السياسية في معادلة الأثر وعمق التأثير التي ترى أنه «كلما ازداد عمق الدولة رسوخاً ازداد معها صلابةً نظامها السياسي»، فإن النظام المرن هو ذلك النظام الأقدر على الاستيعاب باعتباره يحمل الدلالة الأوسع في تعظيم مناخات الحرية، والسمة التي تسمح بتوظيف مناخاتها لتكون ايجابية جاذبة وليست فظة طاردة، وهو ما يبرز ثقة النظام السياسي من تقديمه لذاتية الدولة بطريقة مستحقة.
لذا كانت معادلة التقييم في مناخات الحرية تقوم على مدى اهتمام العامة في الشأن العام، وترتقي برقي وسائل التعبير، وتسمو في ارتفاع مؤشر المقدار النسبي للمشاركة في العمل الاجتماعي الطوعي والمساهمة في العمل المدني المنظم مهنياً بالنقابات وسياسياً بالأحزاب والمؤيد شعبياً في الانتخابات التي بدورها تعتبر أبرز معالم الحرية بتجلياتها الديموقراطية لكونها تعتبر منارة الحرية والتعددية.
ولقد حرص جلالة الملك عبدالله الثاني في عهده على صون الحرية وحماية مناخاتها، على الرغم من ارتفاع سقوف الشعارات السياسية والمطلبية، وارتفاع اصداء الحالة النقدية والاتهامية في مناخات العالم الافتراضي، لكن ايمان جلاله الملك عبدالله الثاني بقيم الحرية كان الأسمى على الدوام، وكان ثابتا بثبات رسوخ الدولة، وعظمة قدرتها على الامتصاص والاحتواء، فمهما أبتعد البعض في الطرح أو الشطط بفعل استقطاب ذاتي من مدخل الظروف المعيشية والاقتصادية، أم كان موضوعيا فرضته الارهاصات الاقليمية السائدة، كانت الدولة دائماً تنتصر على ذاتها لذاتها وتعيد الجميع إلى الاطار الوطني لصالح حماية المواطن أولاً من «الفكر الرافض»، وفي حماية المجتمع من مغبة الاختراق أو الانزلاق إلى ميادين غير آمنة.
هذه النجاحات الوطنية في حماية وتعزيز مناخات الحرية غدت السمة، لا بل وأضحت العلامة الفارقة، التي تميز المجتمع الأردني عن غيره من مجتمعات المنطقة، ولقد زادت بفضلها مؤشر قيم الانتماء الوطني رسوخ جامع، وعززت من قيم الولاء للنظام السياسي مكانة ميزته وامتاز بها، حتى غدت قصة نجاح أردنية، تقوم على «نظرية الحكم بالمعرفة والاحتكام للارادة القيمية» فإن احترام النظام ينبع من حنو النظام على أهله، ويتأصل بقدسية عندما تكون الحماية للمواطن كما لحريته والمنجزات وكما للممتلكات، هذه النظريات الفقهية فى الحكم الراشد التي يقف عليها جلاله الملك عبدالله الثاني في ترسيخ معان جديدة في كيفية ادارة الدولة على الرغم من المنحنيات العميقة التي تشهدها المنطقة، والظروف التاريخية التي هزت مجتمعاتها أفقياً وعامودياً وجعلت منها رواسي لقوى اقليمية داخلة أو رواسب لتصارعات قوى متداخلة.
ولقد أثبت النموذج الأردني من قدرته على التفوق على ذاته، عندما استمال كل من عارضه ولم يلفظه، من قوى وأفراد، وأثبت بالواقع والبراهين، مرونة الدولة الأردنية في تعاطيها، مع المؤثرات التاريخية مهما عظم انعكاسها، أو ثقل حملها، لذا كان حري بعمان أن تشيد منارة الحرية واحترام حقوق الانسان لتحمل اسم «منارة الملك عبدالله الثاني للحرية» تجسيداً لقصة النجاح الأردنية وتعظيماً لقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني والنموذج الأردني في صون الحريات وحماية المنجزات والأردن على اعتاب الدخول في مئوية البيعة.
* الأمين العام لحزب الرسالة الأردني
dr.hazemqashou@yahoo.com
الرأي