أذكر قولاً للكاتب البريطاني بول جونسون وأحفظه: إياكم والصراخ، إنه غير ضروري ، لكنه حتما يقلل من قيمة الإنسان.
عندما يعجز زميل في العمل أن يأتي بالتعابير المهنية اللائقة في البيئة الوظيفية وينقلب النقد إلى حقد يحضر القول: داروا سفهاءكم.
إنك تستطيع بجدارة أن تتعلم القدرة على ضبط النفس من خلال زملاء العمل من زملاء النـّدرة الذين يرسمون لأنفسهم صورة من الأفعال والكلام غير الموزون إلى أبعد الغرور، ذلك أن لهم الحق بارتكاب السفاهة قبل أن يستطيعوا العد إلى عشرة. إنه الانتصار الأسوأ من الهزيمة.
وبما يؤكد أن النصيحة بجمل، قدّم خبير أمريكي في مجال علم النفس الاجتماعي خلاصة تجربته العملية بقوله: لا تعتقد أن مديرك هو والدتك. وبالتالي، لا تعتقد أن زميل العمل هو صديقك.. ذلك أن بيئة العمل لا تخلو من إعاقات نفسية وتشوهات ضمائرية.
وفي بحثي على الإنترنت تعثرت بدراسة حول ادارة المواقف الصعبة في العمل تقسم الموظفين إلى عدة نفسيات وأصناف.. الزميل المزعج، الزميل المراوغ، الزميل المؤذي، الزميل سارق الأفكار، الزميل النّمام، الزميل المحتال، الزميل الغيّور وغيرهم. ولعل من الممتع أن يبحث القارئ بنفسه على محرك البحث (غوغل) وسيجد ضالته في العشرات من المقالات والدراسات ربما كتبها أصحابها بعد عناء احتمالهم لزملاء صادف أن كانت أعماقهم في أشد حالاتها تأزّماً!.
بالتأكيد لا يوجد سبب يمنع تحول زميل العمل إلى صديق حميم، لكن يستحيل الإفتراض دوماً أن جميع الناس جاؤوا من بيئات تتسم بالثراء الأخلاقي والثقافي، فالزميل السيىء موجود كما الزميل الجيد، والزميل المحترم موجود كما الزميل الكاره.. ولأن هؤلاء مفروضون بحكم وجودهم في المكان نفسه فإنك لا تملك ترف اختيارهم أو غربلتهم أو انتقائهم بما يتناسب ومزاجك، ولا يعني أن المهمة تكمن في تطويع خلقهم السيىء، بل الإهمال والإفحام بموضوعية تحد من استفحالهم، فهم تماماً كالشجرة المرّة لوطليت عسلاً لا تثمر إلا مرّا، ويبقى أنّ الأشياء تساوي بقدر ما نسمح لها أن تساوي.
ربّ زملاء أشقاء لم تلدهم أمهاتنا، وثمة زملاء يتحدثون عن الكراهية بمنتهى الحب. كلّ يستوحي مبادرته من خلفية ثقافية واجتماعية إما عزّزت وعيه وإنسانيته أو ثقافة شوّهت ضميره وعمّقت أزمته.
الراي.