مفارقات لجان تحقيقنا ولجان تحقيقهم
راسم عبيدات / القدس
09-05-2007 03:00 AM
..... هناك فرق شاسع بيننا وبينهم فيما يخص لجان التحقيق ، فلجان تحقيقهم تمتلك
الصلاحيات الكاملة لمحاسبة رأس الهرم السياسي والعسكري ، في حالة حدوت أي فشل أو
إخفاق أو قصورات عسكرية أوسياسية ، أو الإشتباه بإرتكاب تجاوزات أو مخالفات مالية أو
جنسية ..مثل تقبل رشوة أو فساد ، أو تحرش جنسي في دولة يسودها الإنفتاح الكامل في هذا
الجانب ، فلجان تحقيقهم على سبيل المثال ، الفشل في الحرب العدوانية على لبنان في
الصيف الفائت ، ألقت لجنة " فينوغراد " مسؤوليتها على رأس الهرم العسكري والسياسي في
الدولة ، رئيبس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان ، حيث أتهمتهم بالتسرع وعدم
الخبرة وعدم التعاطي بجدية مع مخاطر صواريخ حزب الله على العمق الإسرائيلي ، وقامت في
طول البلاد وعرضها مظاهرات تطالب بإقالتهم ومحاسبتهم ، ولم نسمع من يطالب بإطلاق
الرصاص على المتظاهرين أو قمعهم بالقوة لأنهم ينفذون أجندة خارجية أو أنهم يريدون
العبث بأمن الشعب ووحدته الداخلية ، ورئيس الدولة تمت إدانته بقضايا تحرش جنسي وكذلك
وزير العدل ، أما عندنا فحدث ولا حرج ، فالخراب " عام وطام " في كل المجالات
والميادين والمستويات ، من فساد ورشاوي وإبتزاز وخاوات ، وتعينات فئوية ، وإختلاسات ،
وفلتان تشارك فيه أعلى المستويات والمقامات ، وقتل يومي ، وتدمير وإقتحامات ، وهذا كما
قال أحد الأخوة المسؤولين في حماس عنه ، " أنه فلتان تحت السيطرة " ، ولذلك تتشكل لجان
تحقيق من مختلف الأشكال والمستويات ، لجان تحقيق رئاسية ، وأخرى وزارية ، وأخرى
تشريعية ، وأخرى فصائلية ، وأخرى غير حكومية ، وبقدرة قادر ، وكما يقول المأثور الشعبي
" جميعها قارئة على شيخ واحد " ، وتخلص إلى نفس النتيجة ، أن الذين يقومون بهذه
الأعمال ، هم خارجون عن الصف الوطني ومشبوهون وينفذون أجندات غير فلسطينية ، وسيتم
ملاحقتهم ومحاسبتهم حال كشفهم ومعرفتهم ، إذا ما ثبت أنهم فلسطينيون وغير قادمون من
كواكب أخرى ، وبالبنط العريض يا أخوان ، لجان تحقيقنا ، لم تدن أحد ولم تحاسب أحد ،
ولن تفعل ذلك ، ما دام الخراب والعطب في الرأس ، ومن يقوم بهذه الأعمال مرتبط به ويجد
الدعم والإسناد والحماية منه ، واللجان التي ، تتشكل لا تمتلك صلاحيات ولا أليات
تمكنها من تنفيذ قراراتها ، وسأسوق لكم المثال التالي ، في إحدى الوزارات وعندما تسلم
الوزير الجديد صلاحياته ، من الوزير السابق ، ألقى خطبة عصماء ، عن الإصلاح ومحاربة
الفساد وإنقاذ الشعب الفلسطيني من فحيح الأفاعي والسموم التي بثها الوزير السابق
وتحقيق العدالة ، وعدم التوظيف على أسس حزبية وفئوية ، ولنكتشف لاحقاً أن " الطينه
من هالمطينة وجبالها واحد" ، حيث جرى إقتسام الوزارة بين جماعة الوزير القديم وجماعة
الوزير الجديد ، ولم يستطع الوزير الجديد إقالة أو إلغاء أي تعين للوزير السابق ،
وكذلك إحتج جماعة الوزير السابق على التعينات التي أجرها الوزير الجديد ، وطبعاً كل
منهما إستعان بالمسلحين و"المليشيات " من جماعته ، وتمت الصلحة " وبوس اللحى " وشرب
القهوة السادة والخطب العصماء على الوحدة الوطنية والأعداء المتربصين بالشعب الفلسطيني
وغيرها ، والنتيجة عطوة " طم ولم " وتوزيع للغنائم في الوزارة ، إذا هذا هو حال لجان
تحقيقنا ، والتي دائماً نتيجتها صفر ، وفي المدى المنظور غبر متوقع لها سوى إضافة صفر
سالب لنتائجها ، أما حول الموضوع الآخر وهو " طوشنا وطوشهم :- فإن المسألة لها علاقة
بالحضارة والوعي والأخلاق ، وربما البعض يقول لي ، أن المسألة لها علاقة بالدين ،
وديننا يدعو إلى التسامح والتصالح والإحترام ، ولكن أرى أن ذلك له علاقة بالوعي
والإنتماء والحضارة والتقدم ، ولربما يبادر واحد من الأخوان ويطلق عياراً من الطراز
الثقيل ، أن الإحتلال هو جذر وأساس هذه المشاكل ، ولكن رغم كون الإحتلال سبب رئيس في
العديد من هذه المشاكل ، ولكنه ليس المشجب ولا الشماعة ، التي نعلق عليه كل ما يسود
ساحتنا الفلسطينية ، من مظاهر إفلات ، فعندنا عادة ما تبدأ " الطوش " المشاكل في
الغالب تكون فردية ، وعلى قضايا تستغرب لماذا جرى كل هذا التحشييد والتجييش لها وعلى
أساسها ، فهي إما تتعلق بخلاف على بضعة سنتمترات أو أمتار من الأرض بين طرفين في
الغالب يكونوا إما أقارب من الدرجة الأولى أو الثانية وعلى أبعد تقدير جيران وأبناء حي
واحد ، أو على مسلك خاطيء بدر أو صدر من طفل أو مراهق ، أو سوء تفاهم بين طفلين ، أو
جارتين ، أو معاكسات وأعمال صبيانية من هذا الطرف أو ذاك ، وفي أحسن الأحوال خلاف مالي
على شيء ما ، أو عدم قدرة شخص على الوفاء بإلتزاماته لسبب ما ، أو خلاف في الرأي
ووجهات النظر والإجتهاد والتصورات ، وهذه الخلافات جميعها ، يمكن حلها وإستيعابه بشكل
هاديء وودي ، ودون إهدار للوقت والجهد والمال والممتلكات والأرواح ، لو أن هناك وعي
وإدراك لأهمية وقيمة هذه المسائل ، ولكن التخلف وطغيان العشائرية والمفاهيم المغلقة ،
والتربية القائمة على الآنغلاق وتغليب الورابط القبلية والجهوية على الوطنية ، وكذلك
غياب دور المثقفين والمتنورين ، أو إنجرارهم إلى العشائرية ، كل ذلك يدفع بالمشاكل
للتفاقم ، فترى المشكلة بين ولدين قد تحولت إلى " طوشة " عمومية يشارك بها كل أبناء
الحي أو القرية ، إذا كانوا من نفس القرية ، أما إذا كانت المشكلة بين الولدين من
قريتين مختلفتين ، فتتحول إلى " طوشة " عمومية بين القريتين ، وهكذا دواليك ، والمحزن
المبكي ، أن الكثير من هذه المشاكل " والطوش " ، والتي تأخذ الكثير من الجهد والوقت
لعشرات الأشخاص ، والذين يذهبون بجولات مكوكية بين الطرفين ذو العلاقة بالمشكلة ، يكون
صحيح همهم بالأساس الإصلاح ، ولكن الإصلاح الذي يترك النار تحت الرماد ، أو الجرح الذي
يغلق على صديد ، فالواسطة دائما يهمها إغلاق الملف " أو لملمة الطابق " بشرب فنجان
القهوة ، أو كما يقولون " مثل مابفرشلك غطيلي ، أو إللي بقدم السبت بلاقي الأحد " ،
وبإختصار لا توجد أية معايير أو مقاييس للمحاسبة ، أو أية آليات للتطبيق ، وتبقى
المسائل في إطار الإدانات والإستنكارات ، دون أن يتحول ذلك لأدوات للتجريم والمحاسبة
والردع ، أما في الطرف الآخر ، فإن المشاكل والخلافات بينهم مهما كان شكلها وحجمها ،
تبق في الإطار الفردي والشخصي ، وغالبا ما تقتصر على التراشق الكلامي وكما يقولون
بلغتهم " بلي يدايم " ، دون إستخدام العصي والهروات والجنازير والسكاكين ، وفي أبعد
الأحيان تستخدم الأيدي في " الطوشة " ، دون أن تتحول إلى " طوشة " عمومية وقبلية ،
وبعد ذلك يأخذ القانون مجراه ، فمثلاً ، عند حصول حادث سير وحتى لو ترتب عليه وفيات ،
فالقانون يأخذ مجراه ، أما عندنا فحدث ولا ، حرج لا قانون ولا مايحزنون ، عطوات وجاهات
ورفعات وجلوات ...إلخ ، مما يدل على أهمية الوعي وقيمة الوقت والجهد عند الآخرين ،
وعلى جهلنا وتخلفنا وتعصبنا ، مهما حاول أن نسقط على أنفسنا من قيم ومعاني سامية ، لا
نحترمها ولا نلتزم بها ولا نطبقها ، تماما مثل الشخص الذي دائما يتحدث عن الدين
والديانة والحقوق الشرعية وحقوق المرأة ، وعندما يكون هناك قسمة للإرث مثلاً ، تراه
يرفض أن ترث المرأة ، لأنه يترتب على ذلك خسارته لبعض المال أو الأرض لصالح أخته أو
أمه ، وبإختصار دون وقفة جادة من كل المتنورين والمثقفين ودعاة حقوق الإنسان والتطوير
والتغير ، المسنود بطرق وآليات تكفل حماية المجتمع وصيانة وحدته وتعدديته ، وتضع أسس
وضوابط ، تطبق على الجميع وليس بصورة إنتقائية ، تماما ً كالحملات على السيارات
المسروقة ، حيث هناك إنتقائية ومداراة لسين أو صاد وبدون ذلك ، فإننا سنستمر في
الدوران في حلقة مفرغة وجولات متتالية من الإحتراب والإقتتال والفوضى المدمرة .
البريد الالكتروني
rasim@shepherdsfieldymca.org