الزوابع المفتعلة والعين الرمداء
محمد حسن التل
22-07-2009 05:07 AM
لم يعد مفهوما معنى لتلك الزوابع التي تهب في وجوهنا بين الحين والآخر ، ولم يعد مفهوما ايضا استغلال البعض لهذه الزوابع ، التي لا تتعدى الحراك الطبيعي في اي مجتمع سليم ومعافى.
مجتمعنا الاردني يتميز بتنوعه ، كما يمتاز بالتعددية الفكرية والسياسية ، وسط اجواء من الحرية المعقولة في التعبير والانتماء ، ولكن وللاسف ، اعتدنا على تضخيم الامور واعطائها اكثر من حجمها ، فاذا تحدث ضابط اسرائيلي مغمور ومأفون ، عن اوهام ما يسمى "الوطن البديل" ، انطلقت التصريحات ودبجت المقالات وعقدت الندوات ، لمناقشة - على حد تعبير البعض - تطور هذا الوضع على الاردن،. وان الاردن يجب ان يعيد حساباته ، وانه يجب.. ويجب.
واذا صمتت الجهات الرسمية عن هذه التصريحات وتجاهلتها لسخفها ، خرج البعض ليتحدث عن الصمت المريب والتواطؤ مع المؤامرة، ، واذا صدر اي تصريح يرد على هذه الترّهات ، جاء من ينتقد هذه التصريحات ويصفها بالضعف والتردد،،. ويأتيك اخرليتحدث عن ضرورة تثبيت جبهتنا الداخلية وكأننا نعيش في بيت العنكبوت.
هؤلاء ينظرون الى الاردن من عين رمداء ، ويحاولون اظهاره كياناً لا اساس له ، وهو حقيقة من اكثر الكيانات العربية شرعية وثباتا ، ولو ان الاحداث التي مرّت عليه ، مرّت على دولة اخرى ، لاختفت عن الخريطة منذ امد بعيد.
من قال يوماً إن إسرائيل ومنظماتها المنتشرة في كل الغرب ، ليس لها مطامع في الأردن تاريخياً؟ ، ولكن أيضاً من يجرؤ على القول إن إسرائيل ليست لها مطامع في كل الدول والوطن العربي؟. هل تجاوزت شعارها التاريخي "حدودك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات"؟ ، إذا كانت خيبر - وهي في عمق الجزيرة العربية - ما زالت في أذهان اليهود حتى يومنا هذا ، فإن الوطن العربي كله ، في عين الثعلب اليهودي ، ولكن ، هل يستطيع الثعلب أن يفترس كل ما يريده ، إلا إذا استسلمت الفريسة نفسها؟،.
واذا تجاوز البعض في هتافاتهم ، في احدى مباريات الدوري العام ، كما حدث مؤخرا في مباراة الفيصلي والوحدات ، نرى البعض يضخمها ويرجعها الى خلل مزعوم ، في كينونة المجتمع الاردني ، وان علينا مراجعة حساباتنا ، والا جاءنا الخراب - لا سمح الله تعالى - من حيث لا نحتسب ، وان مجتمعنا يغلي تحت الرماد ، مع العلم أن ما يحدث احيانا في ملاعبنا ، يحدث في كل دول العالم ، بشكل أضخم وأقسى ، مع التنويه ان الطريقة التي تعامل معها اتحاد كرة القدم ، برئاسة سمو الامير علي بن الحسين ، كانت مؤسسية ومهنية ، والمفروض أنه بعد صدور بيان الاتحاد ، ان يطوى الموضوع ، وان تتم معالجة فوضى الملاعب بطرق سليمة ، من قًبَل اهل الاختصاص.
اعتقد اننا اذا بقينا على هذا الحال ، في التهويل وتحميل الامور اكثر من حجمها وطاقتها ، فسنصل الى مرحلة انه اذا حدثت ازمة سير في احد طرق جاكرتا ، فان على مجلس وزرائنا ، ان يعقد جلسة طارئة ، لمناقشة انعكاسات هذه الازمة على الاردن وديمومته، ،
وإذا اجتمع زعماء السعودية ومصر وتمت المصالحة مع سورية ، خرج علينا البعض لـ"يبشرنا" أن الأردن خرج من اللعبة ، وأن دوره أصبح مهمشاً ، وكأن الاردن في نظر هؤلاء ، لا يعيش الا على الخلافات ، دون النظرة العميقة إلى الدور الأردني الكبير والمركزي ، في أي تحرك عربي ، مصالحة كانت أم غيرها.
لنرحم انفسنا ، ولنرحم الاردن الذي اعطانا الكثير ، من هذه الزوابع المفتعلة ، والذي جعله الله تعالى وطن الامان والاستقرار ، رغم ضيق الحال وكثرة الضغوطات ، التي تحملها عبر العقود ، ولكنه ظل ضارب الجذور في المعادلة التاريخية.
الناس يا سادة مهتمون في تدبير امور حياتهم ، ولا ينظرون إلى الاوهام غير الموجودة ، إلا في عقول البعض ، الذي تعود على ان يجعل من هؤلاء ، سلّما لاطماعه المشبوهة ، التي لا تتعدى اموره الشخصية.
المجتمع الاردني ، مجتمع متماسك ، اختلطت فيه الدماء والانساب حتى العظم ، وستظل اي محاولة لتفكيك هذا النسيج ، ضربا من الخيال.وهذه ليست دعوة لننام في العسل ونحن في منطقة لم يعرف العالم اضطرابا كالذي تشهده ، ولكن اليست الواقعية افضل من التهويل و الحرص افضل من الخوف؟
** الزميل الكاتب رئيس تحرير يومية الدستور ..