العنوان أعلاه هو اسم كتاب للفيلسوف الأميركي هاري فرانكفورت عام 2005 بعنوان في مفهوم الهُراء شرح فيه معنى المصطلح وبين أن الهُراء Bullshit يختلف عن الأكاذيب، حيث يرى أن الهُراء هو العدو الأول للحقيقة، لأن مطلقي الهُراء يطرحون ما يخدم قضاياهم الشخصية ومصالحهم ولا يهتمون كثيرا إذا كان ما يقولونه يحتوي على الحقيقة أم لا، وهذا الوصف ينطبق على الكثير من منظّمي الحملات الانتخابية والسياسية والاعتصامات والإضرابات، وبالطبع فإن آثار الهُراء مدمرة.
ويوضح الكاتب أن حجم الهراء الذي تنتجه تلك الجهات ضخم جدا، ولا تستطيع وسائل الإعلام المحترفة التي يقوم عملها على أسس الدقة والنزاهة أن تفعل أي شيء تجاهه، خاصة حين تطبق مبدأ الحوار والرأي والرأي الآخر.
ويشبّه الكاتب المواجهة بين وسائل الإعلام الرسمية وتلك صاحبة الهراء وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، والتي كشفَ ببراعة عن نفسيات الناس وأمزجتهم وأخلاقياتهم وحجوم شخصياتهم، يشبهها بمعركة بين طرفين يمتلك أحدهما سكينا والآخر مدفعا. وبحسب الكاتب فإن ما يُصَعِّب من مهمة التصدي للهراء أن عددا كبيرا من وسائل الإعلام الأخرى لا تهتم ببذل أي مجهود لمواجهته.
وبعض هذه الوسائل يمكن وصفه بأنه جزء من ماكينة الهراء نفسه وأنه يفعل ذلك عن سبق إصرار وترصد.
ويخلص المؤلف إلى أن الهُراء يغزو العالم هذه الأيام ويسيطر عليه وأن مواجهة تفشي هذا الهراء والأخبار المزيفة ليست بالعمل السهل، ولا تستطيع وسائل الإعلام الرسمية أن تتصدى لهذه المعركة لوحدها. ويشدد على أن كتابه هذا لا يزعم أن لديه كافة الأجوبة لأسئلة كيفية مواجهة تفشي الهراء والأخبار المزيفة، وأن ما يأمله منه هو تبيان المستوى الذي وصلت إليه الظاهرة، ولماذا هي مستمرة؟ ما هي دوافع المنخرطين فيها؟ وما الذي يجعل الجهود المبذولة لمواجهتها غير كافية؟
يقول الفيلسوف والروائي الإيطالي إمبرتو إيكو موجّها نقداً حاداً إلى الجانب السيء لوسائل التواصل الاجتماعي واستعمالها من أجل الهراء: إن أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الهراء لفيالق من الحمقى ممن كانوا يتكلمون في الحانات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فورا. أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل تماماً.. إنه غزو البلهاء الكلّ فيهم فارس والكل فيهم شجاع.
وسائل التواصل الاجتماعي أسهمت، بهذا الكم الهائل من المعلومات والقصص يوميا، أسهمت في قصر دورة حياة الأفكار عند الناس، أسهمت في إعطاء الأولوية للقدرة على صياغة قصة جديدة ورواية جديدة كل يوم، وإعادة إنتاج وتداول وتدوير المعلومات والأخبار، وإعطائها قدراً من المقبولية المبنية على الشيوع والتكرار.
كما أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في توسيع قاعدة "مجموعات الدعم" بخلق دوائر للدعم الافتراضية، مما يخلق الانطباع بالتوافق المصطنع حول موقف ما، ويعزز ثقة المنتمين إليه في صحته، وفى اتساع قاعدة المنتمين إليه.
ويؤدى هذا التوافق الظاهري إلى المبالغة في اعتقاد الناس أن الآخرين يشاركونهم قناعاتهم، ومن ثم يدفعهم إلى المزيد من التمسك بها، كما أنه يؤدى إلى تراجع التفكير النقدي، وسيادة التفكير الجمعي، ويزيد من فرص قبول سرديات غير حقيقية، ورفعها إلى مصاف الحقيقة غير القابلة للنقاش..