لا بد لأي حاكم أو زعيم أو قائد من بطانة ٍ ، وهي من مستلزمات الحكم ومقتضياته ، ولا يستطيع الحاكم -أي حاكم- من ممارسة مهامه في الحكم دون بطانة تساعده وتشير عليه وتنصحه وتنقل رؤاه وتوجيهاته وتنقل إليه هموم الناس وأمانيهم وطموحاتهم ومعاناتهم ، إذ لا يمكن لحاكم أو قائد أن يقوم بالتواصل المباشر في كل الشؤون والتفاصيل .
ولا شك أن صلاح البطانة فيه صلاح الحكم ورشده والعكس صحيح تماما ولا يحتمل أية توقعاتٍ أخرى ، ولذلك كان صلاح البطانة مطلبٌ مُلحٌّ للعامة ، بل وموضع الدعاء والابتهال إلى الله بأن يرزق الحاكم بطانةً صالحةً تدلُّه على الخير وتُعينه عليه ، ويُجنّبه بطانة السوء التي تُزيّن له الباطل وتغريه به .
ونحن في هذا البلد كنّا على الدوام نُرجع كثيراً من تصريف شؤون الدولة إلى بطانة الملك من رؤساء الديوان والمستشارين ورؤساء السلطات الدستورية وقادة الجيش ومدراء الدوائر الأمنية ومن هم في دائرة صنع القرار أو اتخاذه ، ولا شك أن المزاج العام قد راوح بين الرضا والقبول أحياناً وعدم الرضا أو القبول أحياناً أخرى ، ووصل الحال أحياناً إلى الحنق والاحتقان الذي دفع إلى التعبير عن ذلك صراحة وربما من خلال ممارسات دستورية وغير دستورية من قبل بعض من لم يستطع الإلتزام بالعقد الاجتماعي الذي يجب احترامه من الجميع بلا شك .
ومما يجب الوقوف عنده بشجاعة ، وخاصةً في هذه المرحلة بالذات التي تستدعي من الجميع المراجعة والتقييم ومحاولة الإصلاح الحقيقي للحال الذي وصلنا إليه ولا تُجمّله كل العبارات والتطمينات الزائفة والأماني الخادعة ، التي لم ولن تستطيع إخفاء الحقيقة بأن لدينا أزمة مركبة ، أفضى فيها السياسي إلى الإقتصادي إلى الإجتماعي وأصبح المحذور وهو الأمني يقرع أبوابنا بشدة وتسارع ، الأمر الذي يُحتم على كل حكيم ٍ وعاقلٍ ومسؤول أن يضطلع بدوره ومسؤوليته .
ولم يعد مقبولا نهج المجاملة والمواربة والتزلف في التشخيص العلني لأسباب أزماتنا إن كنا جادين في المحاولة للخروج منها وتصحيح المسار الذي نعبر جميعاً عن عدم الرضا به وعنه ، وكان ذلك جزء من حديث الملك في كل المناسبات .
وتبقى أهمية وضرورة إصلاح البطانة التي تشكل حاجزا وحجابا بين الملك والشعب ولا تحظى بالثقة الشعبية التي لم تعد في نظر الناس تشكل حلقة أمينة للوصل والتواصل ونقل الحقيقة كما هي ، أو تقدم النصيحة الخالصة المخلصة ، وصارت طبقة تتوارث المواقع في أغلب الأحيان ولا يهمها إلا المحافظة على مكتسباتها ويكون الإحلال فيها يعتمد على التوريث أو التنفيع وليس الكفاءة مما عمق الفجوة وفاقم من المعاناة وكرّس انعدام الثقة والمصداقية ، وعزز وجود ولاءات فرعية لبعض المراكز التي ثبتت أقدامها في المشهد بغير ما يقنع الشعب الذي أصبح يراقب المشهد بعيون غير ما سبق ، وصارت البيئة المختلّة تساعد على المبالغة والإشاعة في بعض ما يتم تداوله وتناقله .
نسأل الله أن يحمي الوطن ويحفظه من كل مكروه .