نتابع اليوم الحديث عن حلقة من سلسلة حلقات الفساد المزمن الذي تدور رحاه على ثرى هذا الوطن الغالي، حيث عقدت العزم على الاستمرار في كتابة هذه السلسلة – إن قدر لي ذلك- التي بات موضوعها يقض مضجع كل اردني عاقل، وأصبح حديث الشارع وشغله الشاغل لما يشكله- الفساد- من مصدر قلق مفزع للمواطن وكابوسا مزعجا في ليل أحلامه التي لم تعد سعيدة، ولما فيه من خطر داهم على الوطن ومقدراته.
وقد تناولت في الحلقة السابقة تعريف الفساد من وجهة نظر منظمة الشفافية العالمية والبنك الدولي، كما تم التعريف بآليتين من الآليات المتبعة في الفساد، مثلما تم التطرق إلى الأنواع المتعددة للفساد والظروف المؤدية إليه.
في هذه الحلقة سوف نستكمل حديثنا عن الوسائل والأدوات المتبعة في مكافحة الفساد، حيث أشارت معظم الدراسات والأبحاث التي تم إجراؤها على مستوى العالم إلى العديد من الأدوات والوسائل، اقتبس منها مايلي:
1. المحاسبة: هي خضوع الأشخاص الذين يتولون المناصب العامة للمساءلة القانونية والإدارية والأخلاقية عن نتائج أعمالهم، أي أن يكون الموظفين الحكوميين مسئولين أمام رؤسائهم (الذين هم في الغالب يشغلون قمة الهرم في المؤسسة أي الوزراء ومن هم في مراتبهم) الذين يكونون مسئولين بدورهم أمام السلطة التشريعية التي تتولى الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.
2. المساءلة: هي واجب المسئولين عن الوظائف العامة، سواء كانوا منتخبين أو معينين، تقديم تقارير دورية عن نتائج أعمالهم ومدى نجاعتهم في تنفيذها، وحق المواطنين في الحصول على المعلومات اللازمة عن أعمال الإدارات العامة (أعمال النواب والوزراء والموظفين العموميين) حتى يتم التأكد من أن عمل هؤلاء يتفق مع القيم الديمقراطية ومع تعريف القانون لوظائفهم ومهامهم، وهو ما يشكل أساسا لاستمرار اكتسابهم للشرعية والدعم من الشعب.
3. الشفافية: هي الوضوح داخل المؤسسة وفي العلاقة مع المواطنين (المنتفعين من الخدمة أو مموليها) وعلنية الإجراءات والغايات والأهداف، وهو ما ينطبق على أعمال الحكومة كما ينطبق على أعمال المؤسسات الأخرى غير الحكومية.
4. النزاهة: هي منظومة القيم المتعلقة بالصدق والأمانة والإخلاص في العمل، وبالرغم من التقارب بين مفهومي الشفافية والنزاهة إلا أن الثاني يتصل بقيم أخلاقية معنوية بينما يتصل الأول بنظم وإجراءات عملية.
وفي وقت يؤكد فيه البعض" على أن أدوات مكافحة الفساد البسيطة قد زادت من الفساد وان تلك الأدوات ما هي إلا صنيعة المفسدين أنفسهم"، في حين ذهب أحدهم إلى ابعد من ذلك ليتساءل عن مدى قدرة ما أطلق عليها بـ" الديمقراطية المشوهة" في مكافحة الفساد، ليتأكد لاحقا بأن الديمقراطية المشوهة هي "إحدى أدوات الفساد"، ونشير في هذا الصدد إلى أن حالة الديمقراطية المشوهة قد لعبت دورا محوريا في مأسسة الفساد إن لم تصبح ركيزة أساسية من ركائزه وذلك بسبب ممارستها لجزء منه من خلال إيجاد البيئة المناسبة لتفريخ الفاسدين وتقديم الدعم لهم، وغضها الطرف عن الجزء الفارغ من الكأس، لدرجة أنه لم يعد موطئ قدم في جسد الوطن وأجهزته إلا وفيه بؤرة للفساد والمفسدين.
"ولن نأتي بجديد إذا قلنا أن ظاهرة الفساد تتجلى بمجموعة من السلوكيات التي يقوم بها بعض من يتولون المناصب العامة، وبالرغم من التشابه أحيانا والتداخل فيما بينها إلا انه يمكن إجمالها كما يلي:
- الرشوة: أي الحصول على أموال أو أية منافع أخرى من اجل تنفيذ عمل او الامتناع عن تنفيذه مخالفةً للأصول.
- المحسوبية: أي تنفيذ أعمال لصالح فرد أو جهة ينتمي لها الشخص مثل حزب أو عائلة أو منطقة…الخ، دون أن يكونوا مستحقين لها.
- المحاباة: أي تفضيل جهة على أخرى في الخدمة بغير حق للحصول على مصالح معينة.
- الواسطة : أي التدخل لصالح فرد ما، أو جماعة دون الالتزام بأصول العمل والكفاءة اللازمة مثل تعيين شخص في منصب معين لأسباب تتعلق بالقرابة أو الانتماء الحزبي رغم كونه غير كفؤ أو مستحق له.
- نهب المال العام: أي الحصول على أموال الدولة والتصرف بها من غير وجه حق تحت مسميات مختلفة.
- الابتزاز : أي الحصول على أموال من طرف معين في المجتمع مقابل تنفيذ مصالح مرتبطة بوظيفة الشخص المتصف بالفساد."
"في حين قسم البعض أسباب الفساد إلى قسمين، الأول كان بسبب احتكار السلطة والذي نتج عنه الفساد السياسي والإداري، أما الثاني فكان بسبب احتكار الثروة والذي نتج عنه الفساد المالي".
طبعا كعادتي السيئة- كما أشار البعض- سأنهي هذه الحلقة بجملة من الأسئلة التي تدور في خلد المواطن ومن خلال ما يتم تداوله في الشارع العام وفي الطوابق السفلى من أجهزة الدولة المختلفة، حيث كل سؤال منها عبارة عن قنبلة موقوتة، علها تنفجر في حضن المسئولين على أمل أن تدب الشجاعة في أوصالهم للرد عليها أو حتى مجرد التفكير فيها وهذه الأسئلة هي: هل يوجد لدينا فساد في الأردن؟ وان وجد ما هو حجمه وهل هو منظم أم لا؟ ومن هم صناعه أو أبطاله إن جاز لنا التعبير؟
في المقال القادم - بعد أن تم استعراض الفساد وأنواعه وأدواته والياته والظروف المؤدية إليه وسبل مكافحته وصوره المتعددة - سوف نتعرض للدور الذي لعبته الديمقراطية المشوهة في تجذير الفساد، مثلما سنأتي على ذكر لبعض أنماط وصور الفساد السائدة والممارسة.
kalilabosaleem@yahoo.com