وصفة لـ «لمّ» شمل الأردنيين
حسين الرواشدة
16-12-2018 01:24 AM
بعد ان استقالت حكومة الدكتور الملقي على ايقاع احتجاجات الرابع، استقبل الناس حكومة الدكتور الرزاز بكثير من الارتياح والامل الممزوج بالانتظار، كان السؤال الذي يتردد في اوساط المتابعين داخل اروقة النخب السياسية وفي الشارع ايضا : هل تجاوزنا درجة الخطر ووضعنا اقدامنا على طريق السلامة؟
الاجابة عن ذلك بحاجة الى تقييم تجربتنا في الشهور الستة الماضية ( لاحظ انني لا اتحدث عن الحكومة فقط لانها جزء من التجربة)، لمعرفة ما اذا كنا نجحنا في فهم وتحليل الظروف والاستحقاقات التي واجهتنا فجأة، او فيما اذا كنا قد تعاملنا معها بمنطق «الاستنفار» المؤقت بما يعنيه من استيعاب او امتصاص او توظيف للوقت، وللانصاف فان ما فعلناه اعتمد على مسألتين: احداهما الانصات وسعة الصدر وفتح القنوات للاستقبال وهي تجربة اعتقد انها كانت ناجحة نسبيا اذ لم يسجل على الدولة انها اغلقت ابوابها امام ما شهدناه من احتجاجات وشعارات وصلت احيانا الى خطوط غير مألوفة ولا مسموح بها سابقا اما المسألة الثانية فهي مرتبطة «بالارسال» وتجربتنا مع الارسال شابها بعض «الارباك» وتداخلت فيها خيوط كثيرة عكست غياب «خطاب» رسمي موّحد قادر على توجيه النقاش العام وادارته والاستجابة بشكل افضل لما يريده الناس وما تعبر عنه «المرحلة» من استحقاقات وضرورات.
اذن، نجحنا في الانصات وارتبكنا في الارسال وما بين المسألتين ظلت فجوة الثقة كما كانت، لا لان «وصفات» الاصلاح التي قدمت لا تلبي طموحات الشارع، ولا لان القنوات الرسمية ظلت مشغولة باستقبال ذبذبات «النخب» على حساب اصوات الناس التي ترددت بصورة لافتة، وانما لان «ممارسات» الاصلاح على الارض لم تكن مقنعة بما يكفي لاستعادة ثقة المواطن بمؤسساته وبما يصدر عنها من قرارات، وقد كان يكفي –مثلا- ان تستخدم الحكومة مفتاح الفساد ( قضية الدخان مثلا ) لتطمئن الناس على جديتها في الاصلاح والمحاسبة والمساءلة وللوصول الى عقولهم وقلوبهم، ولكن ذلك –للاسف- شابه كثير من اللغط والتباطؤ والانشغال بقضايا على حساب اخرى، مما اضاع فرصة ثمينة كان يمكن ان تهيىء «التربة» لزراعة «اغراس» التحولات التي بدأت تظهر في خطاب الدولة ومواقفها من مطالب الشارع واستحقاقات المرحلة.
الان، بعد ان تصاعدت الاحتجاجات، يمكن ان نفكر جديا في كيفية العبور من اللحظة الراهنة وما تحقق فيها من انجازات الى اللحظة القادمة وما تحتاجه من ضمانات وممارسات، واعتقد هنا ان امامنا اكثر من فرصة يمكن ان نستثمرها اذا كانت ارادة التغيير لدينا حقيقية وحازمة.
خذ مثلا فرصة اطلاق حوار وطني يشارك فيه الجميع وبدون استثناء وتطرح على طاولته القوانين الناظمة للحياة السياسية وكذلك قضايا المواطنة والهوية وغيرها مما يشكل ارضية مناسبة «للتفاهم» والتوافق على ملامح المرحلة القادمة بكل ما تطرحه من اسئلة وما تحتاجه من اجابات.
وخذ مثلا فرصة الخروج من دائرة «الانشغال» بالفساد والتحقيق فيه الى دائرة « الاحتكام» لموازين العدالة في طي ملفاته ولو حصل ذلك بالسرعة المطلوبة وبما يقنع الشارع لانتهينا من هذا الجدل الطويل الذي اصبح عبئا على الدولة وعلى المجتمع ايضا.
وخذ مثلا فرصة «تغيير» ادوات الاصلاح وروافعه وهنا يمكن استذكار قضية «الايمان» بالاصلاح كشرط لتحقيقه او ثنائية الصلاح والاصلاح او «الديمقراطية التي تحتاج الى اشخاص ديمقراطيين» واذا كنا قد بدأنا «بوصفات» التغيير ومضامين الاصلاح فان امتحان التطبيق والممارسات يفرض اختيار ادوات وكفاءات ودماء جديدة تستطيع ان تقدم اجابات مرضية للناس واداء مقنعا للجمهور الذي ينتظر ما تفضي اليه المخاضات من ولادات.
باختصار، لا بد من تطوير معادلة الانصات والارسال التي جربناها في الشهور الماضية ولا بد من استعادة ثقة الناس بما يصدر من مقررات ووعود ولا بد من «لمّ شمل» الاردنيين بمختلف ألوانهم الاجتماعية والسياسية للتوافق على ملامح «الاصلاح» المطلوب.. وهذا يحتاج الى فتح مزيد من القنوات وتقديم مزيد من الاصلاحات ومواجهة عديد من الاسئلة التي لا تزال في دائرة المسكوت عنه.. وفي مقدمتها سؤال المحاسبة.. هذا الذي لم نحسمه بعد.
الدستور