تصادفنا كل يوم مئات الإشارات الضوئية , نقود سياراتنا ونمشي متكلين على الله في شوارع ملأها الازدحام وتصاعدت فيها ضوضاء الحياة . ما اشد قدرتنا على تحمل الأعباء اليومية البسيطة وما اغرب هذه الحياة كيف تقودنا وتسيرنا إلى محطات أكثرها لم يرد في خاطر أي منا للحظة واحدة . ازدحام شديد وضغط يومي مستمر هذا هو واقع أيامنا وتلك أقدارنا تجابهنا بكل جبروت وتتحكم في مصائرنا .تعب كلها الحياة فما أعجب إلا من راغب في ازدياد
المهم أن سلسلة الإشارات الضوئية لا تنتهي فلا تكاد تفلت من واحدة حتى تطل عليك أخرى بذات السمات وذات الألوان . عليك أن تتوقف إن رأيت اللون الأحمر فهذا أمر صارم لا مجال للنقاش فيه وعليك أن تمشي إذا رأيت اللون الأخضر فهذا أيضا أمر صارم لا تملك أن تعصيه . في كلتا الحالتين أنت مسير لا مخير والويل لك إن حاولت أن تعصي الأمر أو تثبت ذاتك عندها ستسبب كارثة ضخمة تكون أنت أول ضحاياها .
مشكلتي أنني انظر لكل شيء بشكل فلسفي وأحاول أن استخرج حتى من الحجر الأصم معنى إنسانيا عميقا . تفكرت كثيرا في أمر هذه الإشارات فوجدت أنها نقطة فاصلة بين العقل واللاعقل بل بين الإنسان وغير الإنسان . فمن غيرك يا ابن آدم يملك أن يضع قوانين على هذه الكرة الأرضية ؟ ومن سواك يستطيع أن يخترع أنظمة وضوابط ؟ وهل إلا أنت يتبع هذه الضوابط أو يخرقها ويرمي بها عرض الحائط .
الإشارات الضوئية يا أحبتي ليست موجودة فقط في الشوارع وعند المفترقات المرورية , إنها مزروعة في داخل كل واحد منا في دهاليز قلبه وعلى منعطفات فكره . كم مرة توقفت أمام حدث حصل في ماضي حياتك فندمت عليه أو كنت سعيدا بحدوثه .. كم مرة توقفت أمام قرار أنت مقدم عليه فأمضيته أو انصرفت عنه إلى غير رجعة .. كم من ضوء احمر صادفك و ومض في عينيك فجعلك تتخذ موقفا أملاه عليك ضميرك .. كم وكم وكم اشارات ضوئية عديدة منها ما هو شخصي ومنها ما هو وطني ومنها ما هو إنساني .
سنبقى بشرا مادام في قلوبنا اشارات ضوئية وستكون الحياة جنة ما احترمنا هذه الإشارات واتبعنا أوامرها . ستبقى قلوبنا نظيفة وأفكارنا هادفة تسير إلى غاية نبيلة , نحن بشر يا أعزائي قد نخطيء يوما ونجتاز الضوء الأحمر ولكن العبرة كل العبرة أن نقف عند المحطة التالية ونراجع أنفسنا ونندم على ما اقترفناه من ذنب .
عودوا إلى رشدكم يا من تخطيتم كل الإشارات , عيشوا للجميع وساهموا في بناء الخير والجمال , لن ينجو أي منكم بأفعاله وتجاوزاته إن لم يسارع إلى توبة واستغفار , عودوا فهناك رقيب لا يغفل عنكم طرفة عين , آه منكم يا من حطمتم كل الإشارات ما أقسى قلوبكم.. وآه ثم آه ما أكثركم.