ثلاثة عناصر للتغيير اولها الوعي ونتيجته الحتمية البناء التراكمي المنتج والسلمية في التصور والسلوك الحراكي ونقيضه الجهل الذي يصنع العنف وما يقابله من ردة فعل متناسبة لتسكين العنف وثانيها ارتفاع مستوى التضحية ونتيجته الثبات ونقيضه ( الدلع الديمقراطي ) الذي ينهزم في اول مواجهة مع الجهات المتضررة من حالة الاحتجاج من اصحاب المشاريع الدخيلة او المناوئة للحراك نفسه والتي لا يشترط فيها ان تكون السلطة بل المشاريع المنافسة التي تحاول ان تستثمر الحراك لصالحها وثالثها العمل الجماعي والاتفاق على اسس كحد ادنى متيقن لهدف جمعي ونقيضه الفردية او التعدد المرجعي الذي يفكك اداة التغيير الجماهيري ..
مشروع الرابع بكل أسف كان محكوما عليه بالفشل منذ بدايته لغياب المشروع الجمعي للحراك وأدلجته بشكل واضح يكون قادرا على نظم سلسلة الانسجام المعرفي والاخفاق في تشكيل حالة الوعي لعزوف المثقف والفيلسوف الوطني ولعدم وجود استعداد للتضحية وتحمل المخاطر الطبيعية لعملية الاحتجاج حتى من قبل قادة الحراك - إن وجدوا - وللافتقار الى عمل منظم جمعي ووجود انقسامات في التيارات المنافسة على الارض فمالراقب للمشهد في ساحة الاعتصام يدرك فورا عمق الأزمة وكانتونات التنظيمات كل في زاويته وتخندقه التاريخي ..
العلة كانت ولا تزال وستبقى غياب المشروع الوطني الأردني للحراك وحصره في نطاق المطلبية مما سمح ويسمح وسيسمح بركوبه او اختراقه او اختطافه من قبل الغير كما حصل ليلة أمس الجمعة وكما سيحدث في كل مرة مما سيؤدي حتما لمواجهات وعنف قد يزداد وينشأ عنه عنف مضاد كما يصفه البعض في اطار الدعاية المضادة للسلطة وهو نتيجة حتمية لغياب مضامين الوعي الجمعي والفردي للحراك نفسه وبالمقابل لزوم الدفاع عن هيبة الدولة لا السلطة وتطبيق احكام القانون بمعنى ( رد الفعل لاجهزة انفاذ القانون لا الفعل نفسه ) ..
غياب مشروع الحراك وافتقاره للوصف والماهية والاركان الوجودية القادرة على تقديم الحراك نفسه كرافعة وطنية وسند للدولة الاردنية بمفهوم الشعب والاقليم والسيادة لا حالة الحكم والاجهزة التنفيذية جعل منه عبئا على الدولة التي يريد بنائها ويدافع عنها في مفارقة تاريخية عجيبة ويتحمل الوزر في ذلك الجميع بلا استثناء من مثقفين ومفكرين ومحللين وحزبيين كل فيما يخصه ..
إعادة تصنيف الحراك والتعاطي معه بمفهوم الفرصة لا بمفهوم العبء وتناوله بصدق بعيدا عن انتهازية التنظيمات التي لطالما ادارت له الظهر او كانت سببا في اخفاقه وهدر قيمته وتفريقه وتشتيته وركوبه واجهاضه .. اعادة التقييم هي مصلحة اردنية استراتيجية عليا لتسخير الحراك في خدمة الدولة الأردنية ونقله من مربع العبء لمربع الانتاج وعلى كل انسان حر مستقل لا يسعى الى مكاسب ان يقدم ما لديه بهذا الاتجاه ..
القضية الأساسية كانت ولا تزال وستبقى ( غياب المشروع الوطني الاردني ) عن الحراك وجوهره ومضمونه وعدم وجود حالة فلسفية تعبيء الفراغ القيمي لتكون رافعة للحراك المنتشر باشكال شتى من اقصى الشمال لاقصى الجنوب بوصفه حالة مطلبية لا أكثر للأسف وعليه فأن الحراك بهذا المعنى يسهل اختراقه وتوجيهه من قبل الغير المستفيد من الحالة التفاعلية للمشهد في الشارع سواء ما كان للافراد او الجماعات والتنظيمات ..
اعتقد انه يتوجب على الجهات المعنية من داعمين ومثقفين وخزانات تفكير استراتيجية ومرجعيات عليا اعادة النظر بالحراك ومضمونه ودوره واعادة تقييمه وتصنيفه وحتى اعادة الاعتبار له لا بل والمساهمة في دعمه وفتح الابواب على مصراعيها له واعادة التعاطي مع كوادره ومنتسبيه بوصفه فرصة لا خطرا على الدولة الاردنية واطلاق حوار صريح ومباشر معه بعيدا عن الاضواء باعتباره جزءا من منظومة الدولة لا خروجا عليها والمبادرة في اظهار حسن النية والدفع باتجاه الافراج عن الموقوفين او ما يسميه الحراكيون ( المعتقلين ) لكن بالمقابل لابد لزوما على الحراك ان يقدم مشروعه امام الوطن كله وتحت الاضواء لا تحت الارض فالغموض يصنف كسوء نية وعبث تكتيكي والافتقار للمشروع يصنف كخطر استراتيجي يستوجب اجهاض الحمل ..
ثلاثة مشاريع داخل الدولة الأردنية تتصارع وتتفاعل فيما بينها على السلطة ان تشتبك بحدود المصلحة العليا للدولة الاردنية مع هذه المشاريع وامتدادتها ومآلاتها المفترضة وما سيترتب على حالتها التفاعلية من نتائج ولا يجوز نهائيا ان تكون جزءا من حالة الصراع فيما بينها ولا يجوز هنا لحالة الحكم ان تنحاز لأي تيار او مشروع على حساب الاخر الا بالقدر الضروري الذي يصل بالمجتمع الاردني لمخرجات جمعية وتوافقات بينية تعيد التوازن للدولة وتنهض بها وتضمن استقرارها ..
المشروع الاول هو ( الملكية الكلاسيكية ) وقد افرز ما أفرز من نتائج كارثية لا سيما مع تحول مفهوم الرسالة لديه لمفهوم الامتياز والمزرعة والتوريث ..الخ وقد ثبت عجزه عن الاستمرار في القيام بواجبه لتشوهات جسيمة طرأت عليه - باستثناء المؤسسة العسكرية والأمنية - وهو يلفظ انفاسه الاخيرة واستراتيجيا لا افق له وحضور في مستقبل الدولة الوطنية ولابد من كسر هيمنته على الاقتصاد الاردني والتخفيف من راسماليته المفرطة وانانيته التي افسدت الدولة وافرزت منظومة وحلقات مصالح متشابكة الحقت افدح الضرر بكيان الدولة ..
المشروع الثاني هو ( الملكية الحزبية ) او ما اصطلح على تسميته بالملكية الدستورية وهو مشروع مشبوه يعمل على تمريرات خطيرة تحت بند الحكومات البرلمانية ودعوات المدنية والعودة لدستور الوحدة بين الضفتين ( دستور عام 1952 ) وعدم الاعتراف بقرار فك الارتباط وفيه من المحاذير على الهوية الوطنية الاردنية ما لا يقل خطورة على الهوية الوطنية الفلسطينية وتفكيك حل الدولتين على حساب الاردن وفلسطين معا ..
المشروع الثالث هو ( الملكية الشعبية ) ويمكن تعريفه بانه اللحظة التي تلتقي فيها الارادة الشعبية مع الارادة الملكية فتصبح ارادة الاخيرة معبرة عن ارادة الاولى انسجاما وتناغما ومصيرا واستجابة فاذا كانت الملكية الدستورية تتبنى نظرية مشبوهة قوامها الحقوق السياسية المنقوصة فإن الملكية الشعبية تتبنى نظرية الحقوق الاقتصادية المنقوصة واذا كانت الملكية الدستورية تنادي بمبدأ التداول السلمي للسلطة فإن الملكية الشعبية تنادي بمبدأ التداول السلمي للثروة وهذا المشروع في حقيقته وجوهره وبنائه هو مشروع الشهيد الوطني سيد الاحرار وصفي التل ..
اعادة التوازن للدولة الاردنية يستوجب لزوما وحتمية إعادة اطلاق مشروع الملكية الشعبية وعدم اختزال الاردن سياسيا واقتصاديا بالعاصمة عمان واعادة الانتشار التنموي الاقتصادي والسياسي في الاطراف اما نواة هذا المشروع فإننا امام فرصة تاريخية لينهض به الحراك الوطني الاردني الحقيقي ليكون تيارا بهذا الاتجاه ينبثق منه ذراع تنظيمي حزبي وشعبي مؤسسي قادر على وضع اقدامه تحت قبة البرلمان وكسر احتكار التنظيمات العابرة للحدود للمشهد الوطني او زمرة الارستقراطية الاردنية وراس المال وتحالفاته التي صادرت وجود الشعب لا بل طحنته ..
اذا اردنا وأد العنف في مهده وترشيد الشعار في مجتمع يضج بالحياة السياسية وتوجيهه باتجاه العمل التراكمي النافع المنتج لمستقبل الأردن علينا جميعا الاجابة على سؤال (( اين هو مشروع الحراك )) !!!؟؟؟ والأولى بالاجابة هو الحراك نفسه الذي له الحق في تقرير مصيره ..